صحيفتك ، وتوضع على يد الملك ، فجائز أن يكون فيها ما تكرهه من الأحوال ، وليكن جلّ همتك مغفرة من الله ورحمة.
فإن العبد إذا كان مع الله تعالى ، وأهلّ لمغفرته ورحمته ؛ فلا ألم له من الموت ؛ فإن الموت في حقه انتقال من سجن ضيق إلى روضة فسيحة.
وقد صحّ أن الله تعالى لا يغفر الشرك ، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ، والمرء لا يدري هل دخل فيمن يشاء أم لا؟ بل قد يكون الإصرار سبب الردّ كما ورد :
«إن الله يغفر لجميع المسلمين في تلك الليلة إلا لكاهن ، أو ساحر ، أو مشاحن ، أو مدمن خمر ، أو عاق للوالدين ، أو مصرّ على الزنا» (١).
وبجميع هذه الأخلاق ونحوها الظلم ، فمن وقع في ظلم النفس وظلم الغير ؛ فليبك على نفسه ؛ فإنه إذا كان محروما عن المغفرة ، مطرودا عن باب الرحمة في الأيام والليالي المباركة ، فمتى ينالهما وقد أعطي لرسول الله صلىاللهعليهوسلم جميع الأمة هذه الليلة إلا من شرد على الله شراد البعير.
ومن عادة الله في هذه الليلة أن يزيد فيها ماء زمزم زيادة ظاهرة.
وهي إشارة إلى العلوم النبوية التي ورثها علماء أمته ؛ وهم علماء الآخرة ، فهي تزيد زيادة ظاهرة في تلك الليلة في قلب من كان مستعدا لها من أخيار أمته ، وهذا إلى يوم القيامة في كل عصر من الأعصار ؛ بل ويزيد في تلك الليلة للموتى أحوالهم الحسنة إن كانوا منعّمين ، وينقص آثار أفعالهم السيئة إن كانوا معذّبين.
فإن للأرض من كأس الكرام نصيبا.
وقد مرّ رجل بمقبرة ، فصلّى على النبي صلىاللهعليهوسلم ، وكان في المقبرة خمسمائة وستون إنساني في العذاب ، فنودي : ارفعوا العذاب عنهم ببركة صلاة هذا الرجل على النبي صلىاللهعليهوسلم.
فلو كانوا في الدنيا أهل صلاة وصيام ، وقيام وذكر ، ودعاء على ما ينبغي لم يكونوا في العذاب ، ولكانوا أحسن حالا ببركة دعاء الأحياء وأمدادهم.
__________________
(١) ذكره القرطبي في تفسيره (١٢ / ١٦٧) بنحوه.