شعب بالنسبة إلى اختلاف أرباب القلوب ، وذلك من طريق المتابعة ، ولا يزيد على المنزل الأول من حيث الأحكام ، وإلا كان وسواسا ، أو خيالا ، وكذا من حيث النظم ، والمعنى ، والحقائق ، إنما التفاوت بالنسبة إلى المنزّل عليه ، فقد يحصل لبعضهم من المزايا لم يحصل لغيرهم فلا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين ، فخفى على قوم ، وبدا لآخرين ، وبذلك جعلت الطبقات مختلفة ، فأين علوم المؤمنين عامة من علوم الأولياء؟ وأين علوم الأولياء من علوم الأنبياء ، والمرسلين ، وأولي العزم؟ فاعرف ذلك.
وقال المصنف في موضع آخر : قال تعالى في سورة الإسراء :
(وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً) [الإسراء : ١٦].
من القرى ، وبلدة من البلاد ، وموضعا من المواضع ، والإرادة تخصيص أحد الجانبين من الوجود ، والعدم بالوقوع ؛ والقدرة هي القوة على الإيقاع ، ولا تعلّق بالإهلاك والإعدام في الحقيقة ؛ بل بالإنشاء والإيجاد ، فإن إهلاك الشيء بحسب موطنه إيجاد له في موطن آخر ، ونظائر الآية كثيرة نحو : ان يشأ يذهبكم ، أيها الناس : أي يذهب صوركم من هذا الموطن ، ويظهركم في صورة أخرى في غير هذا الموطن ، فإذا الأمر إعدام ، وإيجاد ؛ والوجود هو متعلّق الإرادة ، والقدرة لا العدم ، وإن كان المقدور معدوما لا موجودا.
ثم أشار إلى سبب الإهلاك فقال الله : (أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها) [الإسراء : ١٦] ؛ هو الأمر الإرادي لا الأمر التكليفي ، فإن الله لا يأمر بالفحشاء ، ولا يرضى لعباده الكفر والفسوق والعصيان ، وإن كان ذلك مما يشاء ؛ كأنه قال : يتعلّق أمرنا وإرادتنا بفسقهم الذي جبلوا عليه على ما علمنا من استعداداتهم الغير المجعولة.
فالعلم تابع للمعلوم ، والمعلوم لا يتعيّن في العين الخارجي إلا في وقت معلوم ، والله تعالى هو الخلّاق المظهر لكل شيء في وقته المعيّن بحسب ما يقتضيه استعداده الأزلي ، وقابليته القديمة حين كونه شأنا ذاتيا فعلى ما كان ذاتيا على ما يقتضيه استعداده أن يريده ويخلقه ، فهذا ودع القيل والقال.
فإن أهل التفسير ذهب كل منهم في هذه الآية إلى نوع من المقال ، والذي