عليه البقاء ، وفرّق الشريعة ؛ فليذكّر بذكر لا إله إلا الله ، فإن الشارع أخبر أنه أفضل الأذكار ؛ لغلبة أهل الفرق وكثرتهم (١) ، ولا شك أن لسان الشارع ؛ إنما هو لسان الشرع الذي يقتضي التعميم لا التخصيص.
والحاصل : كما أن الإنسان آخر الكائنات ؛ فكذا لسان الشرع آخر الألسنة ، وفوق لسان الشريعة لسان الطريقة ، وفوقه لسان المعرفة ، وفوقه لسان الحقيقة ، ولكل مقام مقال رجال.
فقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : أبهموا ما أبهم الله ، وفصلوا ما فصّل الله.
ولم يكن أحد من أولياء هذه الأمة مأذونا لإظهار بعض الأسرار ، إلا حضرة الشيخ الأكبر ، والمسك الأزفر ، والكبريت الأحمر ، قدسسره الأطهر (٢) ، ومن عداه
__________________
(١) لكل دائرة من دوائر مراتب الفرق إدراك بحسبها ، فلها لذة وألم بحسبها ، المجردات لهم ذلك بحسبهم ، والمفارقات لهم ذلك بحسبهم ، والماديات البسيطة لها ذلك بحسبها ، والمركبة لها ذلك بحسبها ، والملك بحسبه ، والجان بحسبه ، والبشر بحسبه ، والبهيم بحسبه ، والجماد بحسبه ، والنبات بحسبه ؛ لأن مراتب الفرق متمايزة بالتماثل والتقابل والتناسب والتباين ، فتلزمها اللذة بالتناسب والضد بالضد.
ونظام جميع مراتب التقابل والتماثل هو المسمّى بدائرة الفرق.
(٢) قال الشيخ الكردي الموصلي في كتابه الانتصار للأولياء الأخيار :
كان من الموقعين عن بعض ملوك المغرب ، ثم أنه طرقه طارق من عند الله تعالى ، فخرج بالبراري على وجهه إلى أن نزل في قبر فمكث فيه مدة ، ثم خرج من القبر يتكلّم بهذه العلوم التي نقلت عنه ، ولم يزل سائحا في الأرض يقيم في كل بلد بحسب الإذن ، ثم يرحل منها ويخلف ما ألّفه من الكتب فيها ، وكان آخر إقامته بالشام ، ومات بها سنة ثمان وثلاثين وستمائة.
وكان رضي الله عنه متقيّدا بالكتاب والسنّة ، ويقول : كل من رمى ميزان الشريعة من يده فقد هلك ، وهذا اعتقاد الجماعة إلى قيام الساعة.
وجميع ما لم يفهمه الناس من كلامه إنما هو لعلو مراقيه ، وجميع ما عارض من كلامه ظاهر الشريعة الغراء وما عليه الجمهور ، فيحتمل أن الحسدة دسوا عليه. كذا ذكره الشيخ عبد الوهاب الشعراني في كتابه :((اليواقيت والجواهر في عقائد الأكابر)).
وقال الشيخ مجد الدين الفيروزابادي صاحب القاموس : لم يبلغنا عن أحد من القوم أنه بلغ في علم الشريعة والحقيقة ما بلغ الشيخ محيي الدين أبدا ، ولم تزل العلماء مكبّين على كتابة مؤلفاته بحل الذّهب في حياته وبعد مماته ، إلى أن أراد الله تعالى ما أراد من انتصاب شخص من اليمن اسمه جمال الدين بن الخيّاط ، فكتب مسائل في درج ، وأرسلها إلى بلاد الإسلام ، وقال : هذه عقائد الشيخ