سورة البقرة
قال الله سبحانه : (الم) [البقرة : ١].
أشار بالألف إلى المبدأ الذي هو الإنسان ؛ فإنه خرج من مخرج الشأن الذاتي الغيبي الذي كان تعيّن الذات الأحدية في تلك المرتبة بالنسبة إلى سائر التعينات ؛ كتعيّن الحروف بالنسبة إلى التركيبات اللفظية ، ثم لمّا خرج بالحركة المعنوية ، والنفس الرحماني من تلك المرتبة ؛ مرّ بمرتبة الأرواح التي هي مرتبة اللام التي تعيّن مخرجها من الوسط.
فإن الأرواح متوسطة بين عالم العلم وعالم العين ، ثم مرّ بمرتبة الأجسام التي هي مرتبة الميم التي تعيّن مخرجها من الفم الذي هو آخر المخارج ، ولم يتعرّض لمرتبة المثال ، وإن كانت من الحضرات الخمس ؛ لكونها ممتزجة بالطرفين ؛ فلها وجه إلى مرتبة الأرواح ، ووجه إلى مرتبة الأجسام ، فإذا المخارج الكلية ثلاثة : المبدأ الألفي ، والوسط اللامي ، والآخر الميمي ، وما عداها فمخارج جزئية.
وأخير ذكر هو من بين سائر الأذكار ؛ لكون الهاء مادة من المبدأ إلى المنتهى الذي هو مرتبة الواو ؛ كالميم فهي آخذة من كل المراتب الجزئية والكلية خاصتها ، فكانت بمنزلة الإنسان الكامل المار بجميع الأطوار ، ففي لفظ هو من الجمعية في الإنسان ، فمن غلب عليه الفناء ، وجمع الحقيقة ؛ فليذكّر بذكر هو هو ، ومن غلب
__________________
ـ أحد على تعيين ما قد تجلّى له إلا كونه تجلى في غير مادة لا غير ، ثم إذا رجع من هذا التجلي إلى عالم المواد صحبه تخيل تجلي الحق تعالى.
فما من حضرة يدخلها إلا ويعرف الله تعالى في تجليها ؛ لأنه قد ضبط من معرفته أولا ما ضبط ، فيعلم أن التجلي قد تحوّل في أمر آخر ، فلا يجهله بعد ذلك أبدا ، ولا ينحجب عنه ، فإن الحق تعالى ما تجلى لأحد هذا التجلي ، فانحجب عنه بعد ذلك أبدا.
فإذا نزل العبد إلى عالم خياله وقد عرف الأمور على ما هي عليه مشاهدة بعد أن عرفها قبل ذلك علما وإيمانا رأى الحق تعالى في صورة الخيال مقيّدا فلم ينكره ، لكن لا يسعه إلا السكوت ، لأنه حينئذ يرى أن لا معلوم إلا الله ، وإذا كان لا معلوم إلا الله فلا يدري أحد ما يقول! ولا كيف ينسب الأمور! وانظر : الميزان الذرية (ص ٧٣) بتحقيقنا.