فأفعاله مستندة إلى صفاته ، وصفاته مستندة إلى أسمائه ، وأسماؤه مستندة إلى ذاته ، فليس إلا ذات واحدة متجلّية في صفة كلية قد تجلّت هي أيضا في فعل كلي ظهرت منه الآثار والشواهد ظهورا وحدانيا في صورة كثيرة.
ألا ترى أن الكلام صفة المتكلم في ذاته ، فإذا ظهر ؛ كان قولا من حيث إنه مقول ، وكتابا من حيث إنه مكتوب ، وعلى هذا فقس ، فلكل ظهور ثلاث مراتب ؛ ولذا قال تعالى : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس : ٨٢] ؛ فالكون الحادث أثره المستند إلى الفعل القولي ؛ فإنه اللقاء في الحقيقة فافهم جدا.
__________________
ـ الصفات إنما تطلب الأكوان ، فلو كان في الحق ما يطلب العالم لم يصح كونه غنيّا عمّا هو طالب ، فافهم.
وذكر رضي الله عنه في الباب الثامن والثلاثين وثلاثمائة من «الفتوحات» : فانظر حكمة الله تعالى في كونه لم يحصل له صفة في كتبه ، بل نزّه نفسه عن الوصف.
فقال : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى)[الأعراف : ١٨٠] فجعلها اسما ، ولم يجعلها نعوتا وصفاتا ولكن هي لنا نعوت وصفات يثني علينا بها.
قال تعالى : (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ)[التوبة : ١٢٨] وأذن لنا بالتخلّق في الأسماء الحسنى وهو عين ما قلنا ، ثم أثنينا به عليه ؛ لأنه حميد وله عواقب الثناء ، فأثنى الله على نفسه بها.
وقال : «إن الكبرياء ردائي» وهي صفة عبده وهو رداؤه ، فإنه من منزل ثناء الحق على نفسه بغناه عن خلقه بخلقه ، فافهم.
إن هذا عين ما سيقوله رضي الله عنه في المتن بعد سطرين وهو قوله : فما وصفناه بوصف إلا كنّا نحن ذلك الوصف ، وهكذا الأمر لما كان استناد المستند إلى المستند لذاته ، اقتضى أن يكون على صورته فيما ينسب إليه من الأسماء ، وهو التخلّق بأخلاق الله تعالى وإحصاء الأسماء الحسنى ، وفيما لا ينسب إليه كالصفات ؛ لأنه تعالى جمع له التقييد والإطلاق ، كما جمع لنفسه بين التنزيه والتشبيه ، فقال تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)[الشورى : ١٢].
ومن هذا المقام قال أبو يزيد قدسسره لما قيل له كيف أصبحت؟ فقال : لا صباح لي ولا مساء ، إنما الصباح والمساء لمن تقيّد بالصفة وأنا لا صفة لي ، فوصف نفسه بعدم التقيّد بالصفات ، فإذا كانت الصفة قيدا لا يقبله العبد المقيّد ، فكيف تطلق على المطلق الحقيقي ، وهو رضي الله عنه أشار بهذا إلى التجرّد الحقيقي ، فافهم. وانظر : مجمع البحرين شرح الفصين (ص ٣٠٤) بتحقيقنا.