اعلم أن الله
تعالى خلق آدم من الطين ؛ كإنشاء الفاخوري كوزا أو نحوه منه ،. وخلق حواء من آدم :
أي من ضلع من أضلاعه اليسرى ؛ وهي القصيري أسفل الأضلاع ؛ كإنشاء النجّار شيئا من
الخشب بنحته وإصلاحه ، ولمّا كانت حواء مخلوقة من ضلع منحية إنحاء الحاء المفردة
في الرسم ؛ جعلت الحاء في اسمها ؛ لتدل على الوحدة الواحدية ، كما أن آدم خلق من الأرض
البسيطة بساطة الألف ؛ جعلت الألف في اسمه ؛ لتدل على الوحدة الأحدية.
فآدم هي النفس
الواحدة التي خلق منها فروعه ، كما أن الألف هو المبتدأ الأول الذي تفصّل منه سائر
الحروف بتغيير الصورة ؛ لأن كل حرف من حروف التهجّي رجع إلى صورة الألف ؛ بل إلى
صورة النقطة في الحقيقة ؛ لأن الألف مركب من نقاط ثلث ، أو خمس ، أو سبع عدد
المعاني الثلاثة التي هي التعيّن الأول الذاتي ، والتعيّن الثاني الصفاتي ،
والتعيّن الثالث الأفعالي ، أو عدد الحضرات الخمس ، أو عدد الصفات السبع ، فإذا
غيرت صورة الألف المركبة من تلك النقاط ؛ صارت : (أ ب ج د) إلى آخر الحروف ،
فالاختلاف في الصورة لم يقدح في الاتحاد في المعنى ؛ ولذا قالوا : أصل العام أمر
واحد.
فحواء صورة آدم
في المعنى ، وإن كانت مغايرة له في الخارج ببعض الكيفيات لأمر تقتضيه الحكمة
الإلهية ، إذ لا ظهور للحقائق المختلفة مادامت الصور متفقة ، ولأمر ما خلق الله
آدم أولا ، ثم خلق حواء منه ثانيا ؛ ليظهر الحقيقة الفاعلية والقابلية في أصل واحد
، ومن ثم ضلّ من المفسرين من جعل جزاء مخلوقة من بقى ة تراب آدم ؛ لأنهما إذا وإن
كانا يرجعان إلى أصل واحد ؛ وهو الطين ، لكن حينئذ لا يظهر سر حنو أحدهما إلى الآخر
؛ لأن خلقتهما من الطين من القرابة البعيدة لا من القرابة القريبة ، كما في صورة
الخلق من الضلع ؛ لأن انحناء الضلع دلّ على الحق ، وكون
__________________