ولمّا طال البلاء على أهل اليمن مشوا إلى سيف بن ذي يزن الحميري فقالوا له : نجد خبرا عن سطيح أنّ هذا البلاء يفرج على يدي رجل من أهل بيت ذي يزن ، وقد رجونا أن ندرك بثأرنا. فأنعم لهم بالخروج ، فخرج إلى قيصر ملك الروم وكلّمه أن ينصره على الحبشة ، فأبى وقال : هم على ديني وأنتم على دين يهود. فخرج من عنده مؤيّسا من نصرته وسار إلى كسرى. فانتهى الى النعمان بن المنذر بالحيرة فدخل عليه فأخبره بما لقي قومه من الحبشة ، فقال له : أقم فإنّ لي من كسرى أذنا في كلّ سنة ، وقد حان ذلك. فخرج وأخرج معه سيف بن ذي يزن فأدخله على كسرى ، فشكا إليه الحبشة فقال : غلبونا على بلادنا واستعبدنا السودان. فقال له كسرى : بلادك بعيدة ولا أرسل معك جيشا في غير منفعة ، فأيأسه (١) من النصرة وأمر له بعشرة آلاف [درهم](٢) وكساه كساء. فلمّا خرج بها من باب كسرى نثرها بين العبيد والخدم ، فبلغ ذلك كسرى فأمر بصرفه إليه وقال : ما حملك أن تصنع بجائزة الملك ما صنعت؟ فقال سيف : جبال أرضي (٣) ذهب وفضّة ، وإنّما جئت إلى الملك ليمنعني من الضيم ولم آته ليعطيني الدراهم ، ولو أردت المال كان ذلك عندي كثيرا. فقال كسرى : أنظر في أمرك.
٥٨٩
قال المسعودي : فتشاغل عنه. قال المؤلّف شغل عنه بحرب الروم وغيرها إلى أن هلك سيف ، فأتى معدي كرب بن سيف يستنجز منه عدته لأبيه. هذا قول أبي الحسن المسعودي ، والجمهور على خلافه من أنّ سيف بن ذي يزن هو الّذي أباد الحبشة وتملّك اليمن. قال : فوجّه معه كسرى وهرز الديلمي ، وكان راميا شجاعا ، مع ما كان في بلاده من أهل السجون ، وقال : إن هلكوا فلنا وإن فتحوا فلنا. فحملوا في السفن في (٤) دجلة ومعهم خيولهم
__________________
(١) ل ن : فأيسوه ـ
(٢) عن كتاب الأغاني ـ
(٣) ن : الأرض.
(٤) ل ن : من ، انظر المسعودي ١٠١٦ ـ