العالم واحدا ، كان إله العالم وصانعه واحدا لا شريك له في الإلهية ، كما لا شريك له في ذاته ؛ كما (١) قال ـ تعالى ـ : (٢)(أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)(٣) ، وقال ـ تعالى ـ :(وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ * عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ)(٤).
ولذلك المطلب طريق آخر ؛ هو أنّ تشخّص المعلول بتشخّص فاعله (٥) المفيض لوجوده ، إذ الوجود في كلّ شيء عين تشخّصه ، وتشخّصه عين وجوده ، فمفيض وجوده مفيض تشخّصه. فكما لا يكون لشيء واحد شخصيّ وجودان ولا تشخّصان ، فكذا لا يكون له موجدان مشخّصان ؛ لأنّ أنحاء الوجود والتشخّص متباينة متنافية ، والاتّصاف بكلّ منها يقتضي نفي الاتّصاف بغيره ،
__________________
الشخص الإنساني مرتبط بالآخر ارتباطا طبيعيا ، ومتعلق بالآخر تعلقا عقليّا ، بحيث لا يمكن ولا يتصوّر وجود جزء منه ولا وصوله وبلوغه إلى كماله وغايته ومآله ـ الذي خلق لأجله ـ إلّا بالجزء الآخر ، ولا يقدح كثرة أجزائه وتباين أعضائه في وحدته الشخصية وتشخّصه الطبيعيّة ، فكذلك الحال بعينه في العالم وأجزائه حذو النعل بالنعل. وإذا ثبت وتقرّر الوحدة الشخصيّة في العالم والإنسان الأكبر ، فيمتنع استناده إلّا إلى الواحد وصانع فارد. ولما تقرّر في مقرّر من امتناع استناد المعلول الواحد الشخصي إلى علتين مستقلتين ، لاستلزامه إما تحصيل الحاصل أو كون أحد العلّتين معطّلا ؛ والكل محال وباطل. فتدبّر! (لأستاذنا حسن النوري ـ مد ظله ـ نقلت من خطه.)
* * *
(١) مش ١ : ـ كما.
(٢) أصل : ـ تعالى.
(٣) سورهء إبراهيم ، آيهء ١٠.
(٤) سورهء مؤمنون ، آيات ٩١ و ٩٢.
(٥) آس (هامش) : سرّ كون تشخّص المعلول بتشخّص علّته الفاعلة هو كون وجود المعلول بما هو معلول غير مباين لوجود علّته ، ومتحدا معه ـ ضربا من الاتّحاد ـ يعرفه من كان من أهله. قال مولانا ومولى الكونين (ع) : «توحيده تمييزه عن خلقه وحكم التمييز بينونة صفة لا بينونة عزلة». فتدبّر! (لأستاذنا حسن النوري ـ مد ظله ـ نقلت من خطّه.)