خلف ، عن أهل مكّة كأنّه حذف الهمزة اختصارا و (نَذِيراً لِلْبَشَرِ) نصب على الحال ، وقال الفرّاء (١) : معناه : قم يا محمد نذيرا للبشر ، وفي قراءة أبيّ نذيرٌ للبشر بالرّفع.
وكلّ ما ورد في القرآن من نحو هذا فيجوز فيه الرّفع على البدل ، والنّصب على الحال ، والمدح والذّم كقوله : (إِنَّها لَظى نَزَّاعَةً لِلشَّوى)(٢) ونزّاعةٌ و (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً)(٣) ، قرأ الحسن : أمةٌ واحدةٌ وأمّا قوله : (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى)(٤) أي : مختلفة متفرقة ، فالياء في آخر (شَتَّى) ألف مقصورة علم التأنيث ، وقرأ عبد الله : وقلوبهم أشتّ (٥) أي : أشدّ اختلافا ، وفي هذه السّورة حرفان أيضا عن عبد الله ، خالدان فيها (٦) وفي قراءتنا (خالِدَيْنِ) لأنّ الخبر إذا وقع بين
__________________
(١) معانى القرآن له : ٣ / ٢٠٥ ، وما نسبه المؤلف ـ رحمة الله عليه ـ ليس لأبى زكريا إنما نقله من كلام بعض النّحويين صدّره بقوله : «كان بعض النحويين يقول ... ثم ردّ عليه بقوله : وليس ذلك بشىء. والله أعلم ؛ لأنّ الكلام قد حدث بينهما شىء منه كثير ورفعه فى قراءة أبيّ ينفى هذا المعنى ... ثم قال : ونصبه على أن يجعل النذير إنذارا من قوله : (لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ لَوَّاحَةٌ) يخبر بهذا عن جهنم إنذارا للبشر ، والنذير قد يكون بمعنى الإنذار ، قال الله تبارك وتعالى : (كَيْفَ نَذِيرِ وفَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) يريد : إنذارى وإنكارى».
(٢) سورة المعارج : آية : ١٥ ، ١٦.
(٣) سورة الأنبياء : آية : ٩٢. والقراءة فى معانى القرآن للفراء : ٢ / ٢١٠ ، وتفسير القرطبى : ١١ / ٣٣٨ ، والبحر المحيط : ٦ / ٣٣٧.
(٤) سورة الحشر : آية : ١٤. وقراءة عبد الله فى معانى القرآن للفراء : ٣ / ١٤٦ ، وتفسير القرطبى : ١٨ / ٣٦ ، والبحر المحيط : ٨ / ٢٤٩.
(٥) قراءة عبد الله فى مصادرها السابقة.
(٦) سورة الحشر : آية : ١٧. وهى قراءة الأعمش فى المحتسب : ٢ / ٣١٨.