ـ أما قوله تعالى : (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا) (سبأ : ١٨) فليس فيه أكثر من أنّه قدّر السير ، وذلك لا يدلّ على أنّه من خلقه ؛ لأنّ" قدّر" كما يراد به ذلك ، فقد يراد به البيان والتعريف والحكم بمقادير مخصوصة. وإنّما أراد تعالى بذلك أنّه غيّر مسالكهم عن الحالة التي كانت عليها في الخصب والعمارة ، إلى خلافه ، وقدّر فيها خلاف ما كان في سيرهم (ق ، م ٢ ، ٥٦٩ ، ٤)
ـ إنّ قوله جلّ وعزّ (مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ) (عبس : ١٩) المراد به أنّه خلقه على صفة بعد أن خلقه على أخرى ، فلذلك كرّره (ق ، غ ٧ ، ٢٢١ ، ٨)
ـ إنّ قولنا قدّر كذا قد يقال بمعنى خلقه بمقدار ، كقوله تعالى : (وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها) (فصلت :
١٠) ، (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) (الفرقان : ٢) ، وقد يراد به أنّه بيّن مقدار الشيء وما يحتاج إليه فيه ، وأنّه عرف أحواله وكتب ذلك ، وهو المراد بقوله تعالى : (إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ) (الحجر : ٦٠) وقد يقول الإنسان قدرت في داري هذه خمسة أبيات أبنيها ، وقال الشاعر : وأعلم بأنّ ذا الجلال قد قدّر في الصحف الأولى التي كان قدّر ، وقد يقول الخياط : قدّرت هذا الثوب بمعنى بيان حال ما يجئ منه ، فمعنى قوله وقدّرنا فيها السير أنّا عرفنا ابتداءه وانتهاءه ، وما يؤدّي إليه ويستعان به عليه (ق ، غ ٨ ، ٣١٣ ، ١٤)
ـ إن قلت : في الخلق معنى التقدير فما معنى قوله (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) (الفرقان : ٢) كأنّه قال وقدر كل شيء فقدّره؟ قلت : المعنى أنّه أحدث كل شيء إحداثا مراعى فيه التقدير والتسوية فقدّره وهيّأه لما يصلح له ، مثاله أنّه خلق الإنسان على هذا الشكل المقدّر المسوّى الذي تراه ، فقدّره للتكاليف والمصالح المنوطة في بابي الدين والدنيا ، وكذلك كل حيوان وجماد جاء به على الجبلة المستوية المقدّرة بأمثلة الحكمة والتدبير فقدّره لأمر ما ، ومصلحة مطابقا لما قدّر له غير متجاف عنه ، أو سمّي إحداث الله خلقا لأنّه لا يحدث شيئا لحكمته إلّا على وجه التقدير من غير تفاوت ، فإذا قيل خلق الله كذا فهو بمنزلة قولك أحدث وأوجد من غير نظر إلى وجه الاشتقاق ، فكأنّه قيل وأوجد كل شيء فقدّره في إيجاده لم يوجده متفاوتا. وقيل فجعل له غاية ومنتهى ، ومعناه : فقدّره للبقاء إلى أمد معلوم (ز ، ك ٣ ، ٨١ ، ١٠)
ـ (قَدَّرْناها) (النمل : ٥٧) قدّرنا كونها (من الغابرين) كقوله ـ قدّرنا إنها لمن الغابرين ـ فالتقدير واقع على الغبور في المعنى (ز ، ك ٣ ، ١٥٤ ، ٥)
ـ (عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) (القمر : ١٢) على حال قدّرها الله كيف شاء. وقيل على حال جاءت مقدّرة مستوية ، وهي أنّ قدر ما أنزل من السماء كقدر ما أخرج من الأرض سواء بسواء. وقيل على أمر قد قدّر في اللوح أنّه يكون وهو هلاك قوم نوح بالطوفان (ز ، ك ٤ ، ٣٧ ، ٢٢)
ـ القدر والقدر والتقدير وقرئ بهما : أي خلقنا كل شيء مقدّرا محكما مرتّبا على حسب ما اقتضه الحكمة ، أو مقدّرا مكتوبا في اللوح معلوما قبل كونه قد علمنا حاله وزمانه (ز ، ك ٤ ، ٤١ ، ٢٢)
ـ (قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ) (الواقعة : ٦٠) تقديرا وقسّمناه عليكم قسمة الرزق على اختلاف وتفاوت كما تقتضيه مشيئتنا ، فاختلفت