ـ إنّ الذنوب من العباد بالاختيار والاستحباب منهم ، وأنّه قد هداهم فاستحبوا الكفر وآثروه على ما فعل بهم من الهدى ، ثم قال : (وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى) (الأعلى : ٣) ، أي ابتدأ الخلق بما ذكرنا من الدلالة لهم على الخير والهدى (ي ، ر ، ٤٢ ، ٤)
ـ إن قال قائل فهل قضى الله تعالى المعاصي وقدّرها ، قيل له نعم بأن خلقها وبأن كتبها وأخبر عن كونها كما قال (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ) (الإسراء : ٤) يعني أخبرناهم وأعلمناهم وكما قال (إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ) (النمل : ٥٧) يريد كتبناها وأخبرنا أنها من الغابرين. ولا نقول قضاها وقدّرها بأن أمر بها (ش ، ل ، ٤٥ ، ١١)
ـ إن قال قائل أفترضون بقضاء الله وقدره الكفر ، قيل له نرضى بأن قضى الله تعالى الكفر قبيحا وقدّره فاسدا ، ولا نرضى بأن كان الكافر به كافرا ، لأنّ الله تعالى نهانا عن ذلك ، وليس إذا أطلقنا الرضى بلفظ القضاء وجب أن نطلقه بلفظ الكفر (ش ، ل ، ٤٦ ، ١٥)
ـ يقال للقدريّة : هل يجوز أن يعلّم الله عزوجل عباده شيئا لا يعلمه؟ فإن قالوا : لا يعلّم الله عباده شيئا إلّا وهو به عالم. قيل لهم : فكذلك لا يقدرهم على شيء إلّا وهو عليه قادر ، فلا بدّ من الإجابة إلى ذلك. فيقال لهم : فإذا أقدرهم على الكفر فهو قادر على أن يخلق الكفر لهم ، وإذا قدر على خلق الكفر لهم فلم أثبتم خلق كفرهم فاسدا متناقضا باطلا ، وقد قال تعالى : (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) (هود : ١٠٧ والبروج : ١٦) وإذا كان الكفر مما أراد فقد فعله وقدّره (ش ، ب ، ١٣٣ ، ١٢)
يقال لهم (للقدرية) : إذا كان من أثبت التقدير لله عزوجل قدريا ، فيلزمكم إذا زعمتم أنّ الله عزوجل قدّر السموات والأرض وقدّر الطاعات أن تكونوا قدريّة ، فإذا لم يلزم هذا فقد بطل قولكم وانتقض كلامكم (ش ، ب ، ١٤٦ ، ١٣)
ـ قال الله عزوجل : (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً) (الكهف : ١٧) وقال : (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً) (البقرة : ٢٦) فأخبر أنّه يضلّ ويهدي ، وقال : (وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ) (إبراهيم : ٢٧) فأخبرنا أنّه فعّال لما يريد ، وإذا كان الكفر مما أراده فقد فعله وقدّره وأحدثه وأنشأه واخترعه ، وقد بيّن ذلك بقوله : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) (الصافات : ٩٥ ـ ٩٦) فلو كانت عبادتهم للأصنام من أعمالهم كان ذلك مخلوقا لله ، وقد قال الله تعالى : (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (الأحقاف : ١٤) يريد أنّه يجازيهم على أعمالهم ، فكذلك إذا ذكر عبادتهم للأصنام وكفرهم بالرحمن ، ولو كان مما قدّروه وفعلوه لأنفسهم لكانوا قد فعلوا وقدّروا ما خرج عن تقدير ربّهم وفعله ، وكيف يجوز أن يكون لهم من التقدير والفعل والقدرة ما ليس لربهم؟ من زعم ذلك فقد عجّز الله عزوجل ، تعالى عن قول المعجّزين له علوا كبيرا (ش ، ب ، ١٧٥ ، ٥)
ـ إن قيل : أتقولون أنّ الله تعالى قضى المعاصي وقدّرها ، كما أنّه خلقها ، قلنا له : أجل : نقول ذلك بمعنى أنّه خلقه وأوجده على حسب قصده وإرادته ، ولا نقول إنّه قضاه بمعنى أنّه أمر به ، ولا رضيه دينا وشرعا ، وأنّه يمدحه ويثيب عليه (ب ، ن ، ١٦٦ ، ٣)