تخليص النور من الظلمة صحّ أن يكلّفوا الامتناع من قتل أنفسهم وأن يستحقّوا بذلك المدح إذا لم يفعلوه. وإن كانت الشّبه متى زالت لم يستحقّوا على ذلك المدح لحصول الإلجاء : ولذلك قامت الشبه عندنا مقام نفور الطبع في أنّ عنده يصير الفعل في حكم الشاقّ ، فيستحقّ عليه المدح والثواب. ولا يمتنع اختلاف التكليف بالاعتقادات والشبه فليس لأحد أن يستنكر ما قلناه من حيث يختلف التكليف لمكان جهلهم بما يقتضيه القتل وإيرادهم الشّبه على أنفسهم (ق ، غ ١١ ، ٣٩٤ ، ٤)
نفي
ـ اختلف الناس في النفي والإثبات وهل يكون المثبت منفيّا على مقالتين : فقال قائلون : قد يثبت الشيء على وجه ، وينفى على غيره وذلك كالجسم يكون موجودا ويكون غير متحرّك فيثبته الإنسان موجودا وينفيه أن يكون متحرّكا ، فالنفي والإثبات واقعان عليه (ش ، ق ، ٣٩٧ ، ١٢)
ـ النفي متّصل بالإثبات في العقل ، لأنّك لا تنفي شيئا إلّا وقد أثبتّه على وجه آخر كقولك : ليس زيد متحرّكا ، أنت تثبت زيدا غير متحرّك وأنت نفيت أن يكون ساكنا ، وأحال قائل هذا أن ينفى إلّا ما هو شيء ثابت كائن موجود (ش ، ق ، ٤٤٦ ، ١٤)
ـ النفي كل قول واعتقاد دلّ على عدم شيء أو كان خبرا عن عدمه ، ولا يجوز أن يكون المثبت منفيّا على وجه من الوجوه وكذلك المنفيّ ليس بمثبت على وجه من الوجوه (ش ، ق ، ٤٤٧ ، ٣)
ـ الإثبات كل قول واعتقاد دلّ على وجود شيء أو كان خبرا عن وجوده ، ثم زعم صاحب هذا القول أنّ الإثبات في الحقيقة هو ما به كان الشيء ثابتا والنفي ما كان الشيء به منتفيا في الحقيقة ، وهذا القول هو قول" الجبّائي" (ش ، ق ، ٤٤٧ ، ٨)
ـ إنّ النفي على وجهين : نفي شيء يوجب إثبات ضدّه ، وهو نفي الصفة كقولك فلان عالم. نفيت الجهل عنه. وفلان جاهل. نفيت العلم عنه. ونفي شيء لا يوجب إثبات ضدّه ، وهو نفي الأعراض ؛ لأنّك إذا نفيت لونا لم يوجب ضد ذلك اللون (م ، ت ، ٥٣ ، ١١)
ـ اعلم أنّه (الأشعري) كان يقول إنّ الإثبات هو الوجود والنفي هو الإعدام ، وإنّ قول القائل" أثبت الله العالم" فمعناه" أوجده" ، وقوله" نفى الله كذا وكذا" فمعناه" أعدمه". ثم يستعمل في الخبر عن العدم وفي الخبر عن الوجود ، فيقال لمن قال إنّ زيدا متحرّك إذا كان صادقا إنّه مثبت لحركته ، وقوله إنّه متحرّك إثبات لحركته ، وإنّ قوله" ليس زيد متحرّكا" إذا كان صادقا نفي لحركته وخبر عن عدم حركته (أ ، م ، ٢١٨ ، ٩)
ـ النفي هو رفع الإثبات ، ورفع الإثبات لا يكون عين الإثبات ، ورفع الإثبات الخارجيّ إثبات ذهنيّ منسوب إلى لا إثبات خارجيّ ، وكونه في الذهن متصوّرا ومتميّزا عن غيره ومتعيّنا في نفسه وثابتا في الذّهن ، لا ينافي كون ما هو منسوب إليه لا ثابتا في الخارج. فالحكم بأنّ ما ليس بثابت في الخارج غير متصوّر مطلقا باطل ، لأنّه متصوّر من حيث أنّه ليس بثابت في الخارج ، غير متصوّر لا من حيث هذا الوصف (ط ، م ، ٢٩ ، ١٣)