عنده أقرب إلى معرفة الطاعات والمعاصي وإلى معرفة الثواب والعقاب ، فيكون أقرب إلى فعل الطاعات والتحرّز من المعاصي ، وليس للفروع في هذا الباب مدخل في مبدأ الأمر. فأمّا إذا نظر فعرف الله ، تعالى ، بعقله وتوحيده ، ونظر في غير ذلك فوصل إلى معرفة هذه الفروع ، لم يمتنع عند ورود الشبهة عليه أن يلزمه النظر في الجزء والطفرة والكمون والمداخلة إلى غير ذلك (ق ، غ ١٢ ، ٣٧١ ، ٢)
نظر في النبوات
ـ إذا لم يفعل النظر في النبوّات ، يستحقّ العقوبة. لأنّه قد كان يمكنه أن يصيّر نفسه بحيث يمكنه أن يفعله على الوجه الذي وجب عليه. فمن قبل نفسه ، أتى في أن لم يقدّم قبل ما معه ، كان يمكنه ذلك ، فصار بمنزلة البرهميّ الذي لا يفعل الصلاة في وقتها ، ولا يمكنه بدلا من ذلك في الوقت أن يفعلها ، لكنّه لمّا أتى في ذلك من قبل نفسه بأن لم يستدلّ على النبوّات ، فتعرّف من بعد لزوم الصلاة ، استحقّ العقوبة. ولسنا نطلق القول في مثل ذلك ، أنّه لا يمكنه أن يفعل الصلاة ، بل يمكنه ذلك. وقد كان يمكنه بأن يفعل المقدّمات ، التي تمّ معها منه هذا الفعل. وكذلك نقول في النظر ، فسبيله ، في هذا الباب ، سبيل من وجب عليه الخروج إلى بلد لقضاء دين أو قيام بواجب ، فبعّد الطريق على نفسه بالخروج إلى ناحية سواها ؛ فذلك لا يخرجه من وجوب ذلك الفعل ، ومن استحقاق العقوبة ، لأنّه متمكّن من فعل ذلك. وإنّما أتى ، من قبل نفسه ، فيما فعل ، وهو في الحال يمكنه أيضا أن يستأنف الفعل من أوّله فيفعل. وإنّما الخلاف في هذه المسألة ، من جهة واحدة ، وهي أنّ العقوبة التي يستحقّها على أن لا يفعل سائر النظر ، هل يستحقّها في أوقاتها ، أو يستحقّ الجميع عند إخلاله بالنظر الأوّل ، فيكون ما فعله في حكم المسبّب القبيح الواقع عن سبب قد فعله (ق ، غ ١٢ ، ٣١١ ، ٢١)
نظر مخصوص
ـ كان (الأشعري) يقول إنّ النظر والاستدلال المؤدّيان إلى معرفة الله تعالى نظر مخصوص ، وهو أن يكون على نحو ما أصفه لك من حال البالغ العاقل. وذلك أن لا يسبق إلى اعتقاد مذهب دون مذهب بتقليد ، وأن لا يميل إلى قول دون قول لما يكون فيه من راحة نفس وثقل في الآخر ، وأن لا يكون فيه ميل إلى بعضها لأجل ما يكون فيه من رئاسة وعزّ من جهة الدنيا ، أو لأجل أنّ ذلك مذهب آبائه وأهل بلده ونشوؤهم وعادتهم عليه ، بل يقف عند نفسه في جميع ذلك وقوف المتبحّث المستبصر المسترشد ، وتكون الدعاوى المختلفة والمذاهب المتضادّة متكافئة عنده متساوية في الحقّ والباطل ليبتدئ فكرة وتأمّلا في كل واحد ممّا ينظر فيه ، فيعرض على نفسه من أحكامه ما يعلمه من غير نظر ، ثم يعرض عليه ما يريد أن يعمله ويتعرّفه من أحكامه التي لا يعلمها ضرورة ، فيسبر ويمتحن ويفحص ويجعل المعلوم به ضرورة عيارا وأصلا وقانونا إليها يردّ وبها يعتبر ويتعرّف بها حكم الصحيح والفاسد بأن يستشهدها عليه ، فما شهدت له منها حكم بصحّته ، وما شهدت عليه بالفساد حكم بفساده. فإنّه إذا خلت أحواله وعريت خواطره من هذه الصوادّ المانعة والعوائق