إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) (يس : ٤٩) أي ينتظرون ، ومنه قول الشاعر : فإن يك صدر هذا اليوم ولى ، فإن غدا لناظره قريب ، أي لمنتظره ، وهو إذا استعمل بهذا المعنى جاء من غير صلة. وقد يطلق ويراد به التفكّر والاعتبار ، وإذا استعمل بإزائه وصل بفي ومنه يقال : " نظرت في المعنى الفلانيّ أو في الكتاب". وقد يطلق ويراد به العطف والرحمة ، وإذا استعمل بإزائه وصل باللام ، ومنه تقول العرب : نظر فلان لفلان. وقد يطلق بمعنى الإبصار بالبصر ، وإذا استعمل بإزائه وصل بإلى ، ومنه قول الشاعر : إنّي إليك لما وعدت لناظر نظر الذليل إلى العزيز القاهر ، ومقال العرب : نظرت إلى فلان ، أي أبصرته ببصري. والنظر المذكور في الآية موصول بإلى فوجب حمله لغة على النظر بالعين ، فإن قيل قد يوصل النظر بإلى ولا يراد به الإبصار بالعين ، ومنه قول الشاعر : ويوم بذي قار رأيت وجوههم إلى الموت ، من وقع السيوف نواظرا ، والموت لا يتصوّر أن يكون مرئيّا بالعين ، ثم إنّه يحتمل أن يكون المراد بقوله : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (القيامة : ٢٢ ـ ٢٣) أي إلى ثواب ربها ناظرة ، ويكون ذلك تجوّزا بحذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه. كيف وهي معارضة بقوله ـ تعالى ـ : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) (الأنعام : ١٠٣) ، وقوله لموسى : (لَنْ تَرانِي) (الأعراف : ١٤٣) وهي للتأبيد ، وليس العمل بأحد الظاهرين بأولى من الآخر ، بل الترجيح لنا ، فإنّه أورد ذلك في معرض التمدّح والاستعلاء ، فلو جاز أن يكون مدركا لزال عنه التمدّح ، وهو محال (م ، غ ، ١٧٤ ، ١٢)
ـ النّظر والبحث لا يمكن تمهيدهما إلّا بعد حصول العلم أو الاتّفاق على مقدّمات هي المبادئ ، أو حصول اعتراف بوضع مقدّمات هي كالمبادئ. ولو لم تكن المبادئ الأول معلومة أو موضوعة لم يكن نظر في شيء ولا بحث عن شيء ، فإنّ النّظر والبحث يقتضيان التأدّي من أصل حاصل إلى فرع مستحصل. وإذا لم يكن الأصل حاصلا ، امتنع التأدّي من لا شيء إلى شيء ، ولهذا لم يمكن البحث مع منكري المحسوسات والأوليّات (ط ، م ، ١٤ ، ٢)
ـ النّظر هو الانتقال من أمور حاصلة في الذّهن إلى أمور مستحصلة هي المقاصد ، والفكر بحسب الاصطلاح كالمرادف للنّظر (ط ، م ، ٤٩ ، ٦)
ـ النظر ترتيب تصديقات يتوصّل بها إلى تصديقات أخر. وقيل : تجريد النفس عن الغفلات ؛ وقيل تحديق العقل نحو المعقول ثمّ المقدّمتان إن كانتا معا يقينيّتين فكذا النتيجة وإلّا فلا (خ ، ل ، ٤١ ، ١٣)
ـ النظر مشترك. والمراد به هنا إجالة الخاطر في شيء لتحصيل اعتقاد. ويرادفه التفكّر المطلوب به ذلك. وهو صحيح وفاسد. والأوّل : ما يتبع به أثر ، نحو التفكّر في المصنوع ليعرف الصانع. والثاني : ما كان راجحا بغيب ، نحو التفكّر في ماهيّة الروح ، وذات الباري تعالى (ق ، س ، ٥٤ ، ١٤)
ـ قلنا : جهل المنعم مستلزم للإخلال بشكره على النعم ، لأنّ توجيه الشكر إلى المنعم مترتّب على معرفته ضرورة ، والعقل يقضي ضرورة بشكر المنعم ، ويقبح الإخلال به ، فوجبت معرفته سبحانه لذلك. ومعرفته لا تكون إلّا بالنظر لامتناع مشاهدته تعالى ، كما يأتي بيانه