وجه لا يكون قبيحا (ق ، غ ١٢ ، ١٨٧ ، ١٤)
ـ الذي يدلّ على ذلك أنّه يقع بحسب دواعي العبد وبحسب قصده وإرادته ، على حدّ ما يقع عليه قيامه وقعوده وسائر أفعاله التي يبتدئها. فكما يجب بمثل هذه الدلالة كون تصرّفه فعلا له ، فكذلك القول في النظر. وقد دللنا ، من قبل ، على أنّ العبد قادر عليه في الحقيقة ، في باب المخلوق (ق ، غ ١٢ ، ٢٠٩ ، ٨)
ـ يجوز أن يختلف جنس النظر إذا تعلّق بالدليل على وجهين ؛ فأما إذا نظر الناظر فيه على وجه واحد ، فهو متّفق في الجنس ، ويقوم بعضه مقام بعض فيما يوجبه ويولّده (ق ، غ ١٢ ، ٢٦٦ ، ٢٠)
ـ إذا صحّ أنّ النظر حسن ، فيجب أن لا يجوز أن يتولّد عنه الجهل القبيح وإنّما يجوز أن يحسن السبب ، ولا يكون المسبّب حسنا ولا قبيحا من حيث يجري مجرى أفعال الساهي النائم التي لا يعتدّ بها في باب القبح والحسن ؛ وقد كشفنا من قبل القول في ذلك. وإذن قد ثبت بطلان ما سأل عنه ، لأنّه ظنّ أنّ السبب يجوز أن يحسن ، والمسبّب قبيح عنده ، وقد بيّنا أن الأمر بخلاف ذلك. واعلم ، أنّه لا يجوز من الحكيم أن يحسّن في عقل المرء السبب ، إلّا وقد جوّز له الإقدام عليه ؛ لأنّ من حق الحسن ، جواز ذلك فيه. ولا يجوز أن يحسن منه أن يقدم على فعل ويلحقه فيه مشقّة من يرمي أو ما يجري مجراه ، إلّا ويحسن منه ما يولّده ويوجبه (ق ، غ ١٢ ، ٢٩٥ ، ١٣)
ـ لم يحسن النظر على وجه إلّا والواجب القطع على أنّ المطلوب به لا يكون إلّا حسنا ، إذا كان متولّدا عنه. فإذا ثبت ذلك ، لم يمتنع أيضا في الداعي ، الذي إذا قوي ووجب وجود الفعل عنده ، أن يقتضي في ذلك الفعل مثل ما يقتضيه السبب من حيث شاركه في وجوب وجود الفعل عنده. فلهذا قلنا : إنّ تذكّر الدلالة بمنزلة النظر في أنّ ما يقع عنده من الاعتقاد يجب أن يكون علما ، وأن يحسن منه الإقدام عليه ؛ وإن قارنه في أنّ الأوّل موجب ، والثاني داع يبعث على الاختيار ، لا أنّه يوجب ذلك إيجاب الأسباب للمسبّبات (ق ، غ ١٢ ، ٢٩٦ ، ١٠)
ـ يقول (الجاحظ) في النظر : إنّه ربما وقع طبعا واضطرارا ، وربما وقع اختيارا. فمتى قويت الدواعي في النظر ، وقع اضطرارا بالطبع ؛ وإذا تساوت ، وقع اختيارا. فأمّا إرادة النظر ، فإنّه مما يقع باختيار ، كإرادة سائر الأفعال. وهذه الطريقة دعته إلى التسوية بين النظر والمعرفة ، وبين إدراك المدركات ، في أنّ جميع ذلك يقع بالطبع. وكذلك يقول في التحريكة بعد الاعتماد. لأنّه يذهب في التولّد ، مذهب أصحاب الطبائع. لكنّه ، فيما يقع من القادر ، يخالف طريقتهم ، لأنّه يقول : إنّما يقع بالطبع عند الحوادث والدواعي ، فيرجع في ذلك إلى حال للجملة نعتبرها. وليس كذلك طريقة أصحاب الطبائع (ق ، غ ١٢ ، ٣١٦ ، ٤)
ـ قال (الجاحظ) : فكذلك النظر ، إذا لم يعرف فاعله من قبل ، أنّه يؤدّي إلى معرفة مخصوصة ، لم يجز أن يدخل تحت التكليف ، ولا أن يتعلّق به ذمّ ولا مدح. ولهذا قال : لا يستحقّ الذمّ على المعصية إلّا بعد أن يعلم أنّها موافقة لسخط الله ، تعالى ؛ والطاعة ، لا يستحقّ بها الثواب ، إلّا مع العلم بأنّها توافق رضاه. وسلك هذه الطريقة في كلامه كثيرا ، وتنوّع فيما يضرب فيه من الأمثال بحسب اقتداره على الكلام (ق ، غ ١٢ ، ٣٢٤ ، ١٢)