إذن من وقوعه (ق ، غ ١٢ ، ٩٨ ، ١٤)
ـ يختصّ النظر بأن يولّد ما لا يصحّ وجوده معه البتّة ، ويخالف بذلك سائر الأسباب التي لا تولّد إلّا ما يوجد معها. وقد بيّنا العلّة التي لها وجب ذلك في النظر ؛ وإن كان شيخنا أبو عبد الله ، رحمهالله ، قد قال : إنّ العلّة التي لها لا يجتمع النظر في الدليل ، والعلم بالمدلول ، مما لا يعلم ولا يوقف عليه ؛ وإن علمنا في الجملة ، أنّه لا يضادّه ، كما لا نعلم العلّة التي لها احتاج النظر والإرادة بنية القلب. وقد بيّنا ما عندنا في ذلك ، وذكرنا أن كونه ناظرا يتعلّق بحال له تقتضي أن لا يكون عالما بالمدلول عليه (ق ، غ ١٢ ، ١٠٢ ، ٥)
ـ إنّ النظر لا يوجب الجهل ولا يولّده. يدلّ على ذلك ما ذكره شيخنا أبو هاشم ، رحمهالله ، من أنّ النظر من جميع الناظرين في دليل الشيء الواحد يقع على وجه واحد ، فيجب أن لا يختلف ما يتولّد عنه. فإذا صحّ أن يولّد لبعضهم العلم ، فيجب أن يولّد مثله لسائرهم. فلو كان يولّد لبعضهم الجهل ، لوجب أن يولّد لسائرهم مثله. يبيّن ذلك أنّ الرمي من جميع الرماة ، إذا وقع على سمت واحد ، لم يختلف ما يتولّد عنه من الإصابة (ق ، غ ١٢ ، ١٠٥ ، ٢)
ـ إنّا قد بيّنا أنّ الذي له لم يولد النظر في الدليل للاعتقاد ، هو كونه غير عالم بتعلّق الدلالة بالمدلول. وإنّ هذه العلّة موجودة في النظر في الشبه ، فيجب تساويهما في ارتفاع التوليد. وليست العلّة في استحالة وجود الإرادة في محلّ مفرد ، هو انتقاء البنية والحياة فقط ؛ بل العلّة فيه أنّ المحلّ غير مهيّأ لوجوده فيه. وإذا كان لا في محل ، استحال هذه الطريقة فيه ، وغير ذلك من العلل (ق ، غ ١٢ ، ١١٣ ، ١٠)
ـ لو كان النظر يولّد الجهل ، لم يكن بين العلم والجهل فصل فيما يقتضي صحّتهما ، لأنّهما قد وقعا عن النظر والاستدلال ، وهذا بعيد. لأنّ الفصل بين العلم والجهل فصل فيما يقتضي صحّتهما. والحق والباطل يصحّ بسكون النفس إلى الحق والعلم ، وانتفاء ذلك في الجهل والباطل. وإذا صحّ أن يفصل بين العلم الضروريّ ، والاعتقاد المبتدأ لمثله ؛ وبين العلم بالمدرك ولا لبس ، وبين العلم بالمدرك إذا دخله اللبس ؛ فهلا جاز بمثله التفرقة بين العلم والجهل (ق ، غ ١٢ ، ١١٤ ، ١٣)
ـ إنّ النظر لا يولّد النظر ولا الشكّ ولا الظنّ (ق ، غ ١٢ ، ١١٦ ، ٢)
ـ قد بيّنا أنّ العلم ، بأنّ النظر يولّد ويؤدّي إلى العلم ، مكتسب ؛ فقد يجوز أن يذهب عنه البعض ، فلا يكتسبه ؛ ولا يؤثّر ذلك في كونه مولّدا للعلم (ق ، غ ١٢ ، ١٤٠ ، ١٤)
ـ إنّ النظر إذا كثر كثر العلم ، ومن أكثر من النظر في الأدلّة يكون أعلم ممن قلّ منه. وقد بيّنا ذلك من قبل ، واعتمدنا عليه في أنّ النظر يولّد العلم ، كما يعتمد على مثله في أنّ الرامي يولّد الإصابة (ق ، غ ١٢ ، ١٥٢ ، ١٧)
ـ أمّا شيخنا أبو هاشم رحمهالله ، فإنّه يقول في المسبّب : إنّه يجب أن يتبع السبب ، لكنّه لا يجوز في السبب في أن يكون حسنا والمسبّب قبيحا ، وإنّما يجوز فيه أن يكون السبب حسنا والمسبّب لا حسنا ولا قبيحا ، بأن يقع على جهة السهو. فلهذا قال في النظر : إنّه لو ولّد الجهل أو كان فيه ما يولّده ، لم يصحّ أن يعلم العاقل حسنه. فعلى طريقته ، إذا ثبت حسن النظر ، علم أنّه لا يجوز أن يتولّد عنه الجهل وإنّما يتولّد عنه ما يكون معتقده على ما هو على