زيد إنّه ناظر إلى فلان ، ويراد الانتظار ، وإنّما يقال هو منتظر فلانا ، قالوا : على أنّا إذا قسمنا النظر خرج من القسمة أنّ المراد بالآية الرؤية على ما نقوله ، ولذلك أنّ النظر يحتمل وجوها : منها الفكر ، ومنها التعطّف والرحمة ، ومنها الانتظار ، ومنها الرؤية (ق ، غ ٤ ، ١٩٧ ، ٨)
ـ إنّ النظر بمعنى الفكر لا يعدّى بإلى. ألا ترى أنّ القائل إنّما يقول نظرت في الشيء بمعنى الفكر ، ولا يقول نظرت إليه (ق ، غ ٤ ، ١٩٧ ، ١٦)
ـ أمّا النظر فإنّه يولّد العلم متى تعلّق بالدليل ، وكان الناظر عالما به على الوجه الذي يدلّ على المدلول ونظر فيه على هذا الوجه ، ومتى لم يكن الناظر بهذه الصفة ولا كان النظر متعلّقا على هذا الوجه لم يولّد العلم (ق ، غ ٩ ، ١٦١ ، ٤)
ـ اعلم ، أنّ النظر ، وإن كان متى أطلق ، فقد تعبر به عن وجوه : عن تقليب الحدقة الصحيحة نحو المرئي ، التماسا لرؤيته ؛ وعن الرحمة والإحسان ؛ وعن نظر القلب ؛ وعن الانتظار على ما فيه من الاختلاف في أن تعبر به عنه على جهة الحقيقة أو التوسّع ؛ فالمقصد بها بهذا الموضع ذلك نظر القلب دون غيره ، وحقيقة ذلك هو الفكر. لأنّه لا ناظر بقلبه إلّا مفكّرا ، ولا مفكّر إلّا ناظرا بقلبه ؛ وبهذا تعلم الحقائق (ق ، غ ١٢ ، ٤ ، ٤)
ـ اعلم ، أنّ النظر كالاعتقاد ، في أنّه يجب أن يتعلّق بغيره ، وفي أنّه يتعلّق بالأشياء على سائر وجوهها ؛ وإن كان يخالف الاعتقاد في أنّه يتعلّق بكون الشيء على صفة. والنظر لا يتعلّق بصفة واحدة ، بل يتعلّق بهل هو على صفة ، أو على ضدّها ، أو ليس هو عليها؟ وأظنّ شيخنا أبا عبد الله ، رحمهالله ، يقول في نظر الإنسان ، في هل الجسم قديم أو محدث : إنّه ليس بنظر واحد ، وإنّهما جزءان من النظر وإن لم يفارق أحدهما الآخر إذا سلك الناظر هذه الطريقة. والأولى ما قدّمناه في أنّه يتعلّق ، وإن كان جزءا واحدا على هذا الحدّ (ق ، غ ١٢ ، ٩ ، ٣)
ـ من حقّه (النظر) أن يتعلّق بالشيء الّذي له تعلّق بما نلتمس ، بالنظر ، العلم به أو الظنّ به من دليل أو أمارة ؛ ويخالف ، في ذلك ، غيره من المعاني مما يتعلّق بالشيء ، وإن لم يكن له تعلّق بشيء سواه. ومن حقّه أن يتعلّق بعضه ببعض ، كتعلّق العلوم بعضها ببعض ؛ لأنّه لا يصحّ أن ينظر في حدوث الأغراض ، إلّا بعد النظر في إثباتها. وقد ذكر ذلك شيخنا أبو هاشم ، رحمهالله (ق ، غ ١٢ ، ١٠ ، ١)
ـ من حقّ النظر أن تجوز فيه القلّة والكثرة كسائر الأفعال. وإنّما لا يجوز أن يكون الكثير منه يولّد جزءا واحدا من العلم ، لما سنبيّنه. فأمّا العبارة عنه بالطول والقصر ، فإنّه بعيد ، لأنّه في الحقيقة إنّما يصحّ في الأجسام. وقد نتّسع به في الكلام تشبيها بما له تأليف ونظام. فأمّا النظر فكالإرادة في أنّه قد يتوالى حدوثه ، وقد لا يتوالى. فكما لا نعبر بذلك عن الإرادة ، فكذلك في النظر (ق ، غ ١٢ ، ١٠ ، ١٥)
ـ من حقّ النظر أن يكون فيه ما يولّد العلم ، إذا كان نظرا من عاقل في دليل معلوم له على الوجه الذي يدلّ ؛ ويكون فيه ما لا يولّد العلم ، بل يقتضي غالب الظن في أمور الدنيا ؛ وقد يكون فيه ما لا يحصل عنده الوجهان جميعا. ولا يصحّ أن يكون فيه ما يولّد الشّبهة أو الجهل (ق ، غ ١٢ ، ١١ ، ٣)