الدليل على أنّ الله تعالى يرى بالأبصار قوله تعالى (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (القيامة : ٢٣) ولا يجوز أن يكون معنى قوله (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (القيامة : ٢٣) معتبرة كقوله (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) (الغاشية : ١٧) لأن الآخرة ليست بدار اعتبار. ولا يجوز أن يعني متعطفة راحمة كما قال (وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ) (آل عمران : ٧٧) أي لا يرحمهم ولا يتعطف عليهم لأنّ الباري لا يجوز أن يتعطف عليه. ولا يجوز أن يعني منتظرة لأنّ النظر إذا قرن بذكر الوجوه لم يكن معناه نظر القلب الذي هو انتظار ، كما إذا قرن النظر بذكر القلب لم يكن معناه نظر العين. لأنّ القائل إذا قال" أنظر بقلبك في هذا الأمر" كان معناه نظر القلب ، وكذلك إذا قرن النظر بالوجه لم يكن معناه إلّا نظر الوجه ، والنظر بالوجه هو نظر الرؤية التي تكون بالعين التي في الوجه. فصحّ أنّ معنى قوله تعالى (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (القيامة : ٢٣) رائية إذ لم يجز أن يعني شيئا من وجوه النظر. وإذا كان النظر لا يخلو من وجوه أربع وفسد منها ثلاثة أوجه صحّ الوجه الرابع وهو نظر رؤية العين التي في الوجه (ش ، ل ، ٣٤ ، ٨)
ـ الأصل في لزوم القول بعلم النظر وجوه : أحدهما الاضطرار إليه في علم الحس والخبر ، وذلك فيما يبعد من الحواس أو يلطف ، وفيما يرد من الخبر أنّه في نوع ما يحتمل الغلط أو لا ، ثم آيات الرّسل وتمويهات / السحرة وغيرهم في التمييز بينها ، وفي تعرّف الآيات بما يتأمل فيها [من] قوى البشر وأحوال الآتي بها ليظهر الحق بنوره والباطل بظلمته (م ، ح ، ٩ ، ١٦)
ـ بالفكر والبحث إرادة ما يضطر إلى العلم بأنّ الحق في ما انكشف له ، مع اشتباه خاطر الرحمن في الأمر والتحذير من خاطر الشيطان. وفي ترك النظر / والبحث أمن ذلك ؛ إذ لم ينكشف له ما يلزمه التمييز ، ولا يخطر بذهنه ما يبعثه على الطلب (م ، ح ، ١٣٥ ، ١١)
ـ إنّ لزوم النظر ليس عقيب نظر تقدّمه ، بل عقيب الذي به يقع النظر والبحث وهو العقل الذي به يعرف المحاسن والمساوئ ، وبه يعلم فضله على سائر الحيوان (م ، ح ، ١٣٥ ، ١٣)
ـ أمّا الاستدلال والنظر فهو تقسيم المستدل وفكره في المستدل عليه وتأمّله له ؛ وقد يسمّى ذلك أيضا دليلا ودلالة ، مجازا واتساعا لما بينهما من التعلّق. وقد تسمّى العبارة المسموعة التي تنبئ عن استدلال القلب ونظره وتأمله نظرا واستدلالا ، مجازا واتساعا لدلالتها عليه (ب ، ت ، ٤٠ ، ١)
ـ أمّا سبيل العلم بكلام الذراع وتسبيح الحصى وحنين الجذع وجعل قليل الطعام كثيرا وأشباه ذلك من أعلامه ، عليهالسلام فهو نظر واستدلال لا اضطرار (ب ، ت ، ١١٥ ، ١٠)
ـ جنس النظر ممّا لا يجوز عليه البقاء. فلم يصحّ أن يتعلّق العلم الواحد بمعلومين من طريق التفصيل. فأمّا من طريق الجملة فلا خلاف فيه بين أصحابنا وبين المعتزلة وسواء كان ذلك علما مكتسبا أو ضروريّا ، لأنّ علمنا بأنّ معلومات الله تعالى لا نهاية لها وكذلك مقدوراته علم يتناولها على طريق الجملة وهو علم واحد والمعلومات أكثر من ذلك. ولسنا نقطع الآن أنّ الإنسان يعلم من طريق الضرورة معلومات على التفصيل بعلم واحد بل نجيز ذلك. فأمّا العلم بمعلومات الله سبحانه كلها