الضدّ مانعا من وجود ضدّه إلّا في الحال دون أن يتقدّم. وإنّما يخرج عن ذلك ما ليس يمنع بنفسه ، كالاعتماد ، لأنّه إذا منع فإنّما يمنع بموجبه ، فلهذا ساغ أن يتقدّم. فإذا كان كذلك وجب أن يكون القادر إنّما يصحّ أن يوصف بأنّه ممنوع في الحالة الثانية من حال وجود القدرة لأنّها الحالة التي يصحّ وقوع الفعل فيها. فإذا وجد أكثر مما يقدر عليه امتنع عليه الفعل. والامتناع أيضا إذا رجعنا به إلى ضدّ يفعله الفاعل في نفسه فلن يكون ذلك أوّلا وإنّما يكون في الثاني. فلا تشبه حال المنع حال القدرة والعجز لأنّ من شأنهما أن يتقدّما. ألا ترى أنّ أحدهما يؤثّر في صحّة الفعل والآخر في تعذّره ، وكلا الوصفين ينبئان عن الاستقبال؟ (ق ، ت ٢ ، ١٣٥ ، ٤)
ـ المنع يكون على أنحاء. منها وجود ما يضادّ الفعل الذي كلّف على وجه لا يصحّ منه رفعه ، وهو الذي يعدّ منعا في الحقيقة. وقد يصحّ فيما يعدّ منعا أن يرجع فيه إلى عدم ما يحتاج إليه في إيجاد ما كلّف ، نحو عدم الآلة أو عدم المحلّ الذي لا بدّ منه في وجود الفعل المخصوص. وقد يكون عدم الشيء الواحد موجبا كلي الأمرين ، كما نقوله في اللسان إذا عدمه الأخرس لأنّه آلة في الكلام ومحلّ له أيضا. وقد يعدّ في المنع عدم العلم الذي لا بدّ منه في إيقاع الفعل على وجه دون وجه. وكذلك فقد يطرأ العجز عليه إذا حصل معنى أو رجع به إلى تغيير حال المحلّ. وقد يقوم السهو العارض عمّا كلّف مقام المنع (ق ، ت ٢ ، ٢٦٤ ، ١٩)
ـ إنّ المنع لا يخرج القادر من كونه قادرا على فعل ما منع منه متى حصله له من الدواعي إلى الفعل ما يقوم مقام الشهوة والنفور (ومن ثم) حسن أن يكلّف. وقلنا : إنّ الهند لمّا اعتقدوا في قتل أنفسهم أنّ فيه منفعة من حيث يقتضي تخليص النور من الظلمة صحّ أن يكلّفوا الامتناع من قتل أنفسهم وأن يستحقّوا بذلك المدح إذا لم يفعلوه. وإن كانت الشّبه متى زالت لم يستحقّوا على ذلك المدح لحصول الإلجاء : ولذلك قامت الشبه عندنا مقام نفور الطبع في أنّ عنده يصير الفعل في حكم الشاقّ ، فيستحقّ عليه المدح والثواب. ولا يمتنع اختلاف التكليف بالاعتقادات والشبه فليس لأحد أن يستنكر ما قلناه من حيث يختلف التكليف لمكان جهلهم بما يقتضيه القتل وإيرادهم الشّبه على أنفسهم (ق ، غ ١١ ، ٣٩٣ ، ١٧)
ـ إنّما تقول ما ذكرته في الفعل الذي يتعذّر على المكلّف لأمر يرد عليه من قبل المكلّف ولا يكون للعبد سبيل إلى إزالته ، كالاخترام والمنع إلى ما شاكل ذلك من الأمور المزيلة للتكليف. فأمّا إذا كان ماله يتعذّر الفعل يحصل من قبله ، وقد كان له سبيل إلى أن لا يفعل ذلك ، فيستمرّ على ما كلّف. فلا يجب ما ذكرته ، بل لا يخرج من أن يكون تعالى قد ألزمه الفعل الأوّل وما يليه من الأفعال ، وإن كان بأن لا يفعل الأوّل يحصل مضيّعا لما بعده من الواجبات. ومثال ذلك ، ما ذكرناه من أنّه تعالى لا يجوز أن يكلّف المرء إتمام صومه اليوم ، والمعلوم أنّه يخترمه قبل تقضّيه ؛ ويجوز أن يكلّفه صوم اليوم ، وإن كان المعلوم أنّه سيفرط في إتمامه من حيث لا يفعل الدخول فيه على وجه يصحّ منه الإتمام (ق ، غ ١٢ ، ٤٥٦ ، ١٧)
ـ إنّ من حق المنع أن يبقى الشيء على ما هو عليه قبل المنع ، فإذا زال المنع تغيّر حاله. ألا