ـ المعتزلة وافقوا الخوارج في المصير إلى استحقاق الخلود ، على ما سنفصل مذهبهم. ولكنّهم فارقوا الخوارج من وجهين : أحدهما أنّهم لم يصفوا مرتكب الكبيرة بالكفر ، ولم يصفوه أيضا بالإيمان ، وزعموا أنّه على منزلة بين المنزلتين ، ورسموه فيها بكونه فاسقا وفارقوهم من وجه آخر ، فقالوا : استحقاق الخلود في العقاب يختصّ بالكبائر ، وجملة الذنوب كبائر عند الخوارج ، والمعتزلة قسّموا الذنوب إلى الصغائر والكبائر على ما سنعقد فيه فصلا (ج ، ش ، ٣٢٥ ، ٣)
ـ القول بالمنزلة بين المنزلتين. والسبب فيه أنّه دخل واحد على الحسن البصريّ فقال : يا إمام الدين ، لقد ظهرت في زماننا جماعة يكفّرون أصحاب الكبائر. والكبيرة عندهم كفر يخرج به عن الملّة ، وهم وعيديّة الخوارج. وجماعة يرجئون أصحاب الكبائر. والكبيرة عندهم لا تضرّ مع الإيمان ، بل العمل على مذهبهم ليس ركنا من الإيمان. ولا يضرّ مع الإيمان معصية ، كما لا ينفع من الكفر طاعة ، وهم مرجئة الأمّة. فكيف تحكم لنا في ذلك اعتقادا؟ فتفكّر الحسن في ذلك ، وقبل أن يجيب قال واصل بن عطاء : أنا لا أقول إنّ صاحب الكبيرة مؤمن مطلقا ، ولا كافر مطلقا ، بل هو في منزلة بين المنزلتين : لا مؤمن ولا كافر. ثم قام واعتزل إلى أسطوانة من أسطوانات المسجد يقرّر ما أجاب به على جماعة من أصحاب الحسن. فقال الحسن : اعتزل عنّا واصل. فسمّي هو وأصحابه معتزلة (ش ، م ١ ، ٤٨ ، ٨)
منزلة الثواب
ـ اختلفوا (المعتزلة) هل كان يجوز أن يبتدئ الله الخلق في الجنّة ويتفضّل عليهم باللذّات دون الا ذوات ، ولا يكلّفهم شيئا على مقالتين : فقال أكثر المعتزلة لن يجوز ذلك لأنّ الله سبحانه لا يجوز عليه في حكمته أن يعرّض عباده إلّا لأعلى المنازل ، وأعلى المنازل منزلة الثواب وقال : لا يجوز أن [لا] يكلّفهم الله المعرفة ويستحيل أن يكونوا إليها مضطرّين ، فلو لم يكونوا [بها] مأمورين لكان الله قد أباح لهم الجهل به وذلك خروج من الحكمة. وقال قائلون : كان جائزا أن يبتدئ الله سبحانه الخلق في الجنّة ويبتدئهم بالتفضّل ، ولا يعرّضهم لمنزلة الثواب ولا يكلّفهم شيئا من المعرفة ويضطرّهم إلى معرفته ، وهذا قول" الجبّائي" وغيره (ش ، ق ، ٢٤٨ ، ١٢)
ـ إنّه تعالى كما يحسن منه أن يكلّف ابتداء من يعلم أنّه يكفر ، فيعرّضه بذلك لمنزلة الثواب ، ولا يقتصر به على منزلة التفضّل ، فله تعالى أن يكلّفه تكليفا بعد تكليف ، ويعرّضه بذلك لمنزلة عالية لا ينالها ببعض ذلك ، ويقتصر به على بعض. ولا فرق بين من قال بقبح التكليف الزائد ، مع ما فيه من التعريض لمنزلة زائدة ، وبين من حكم بقبح تكليف من يعلم أنّه يكفر ابتداء ، وإن حصل تعريضا لمنزلة عالية (ق ، غ ١١ ، ٢٥١ ، ١)
منزول عليه وبه
ـ أربعة أشياء هنا : منزّل ، ومنزّل ، ومنزول عليه ، ومنزول به. فالمنزّل هو الله تعالى لقوله : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ) (الحجر : ٩) وقوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ) (النحل : ٤٤) والمنزّل على الوجه الذي بيّناه من كونه نزول إعلام وإفهام لا نزول حركة وانتقال كلام الله تعالى