وجهين : أحدهما أن تراعى أفعاله التي تقع على وجه دون وجه ، فتبيّن أنّه لا يصحّ ذلك فيها من دون كونه تعالى مريدا. وهذا قد يوجد في السمعيّات نحو الخبر والأمر وغيرهما. وقد يوجد في العقليّات كنحو النعم التي يفعلها والآلام التي ينزلها وكما يقوله في خلق شهوة القبيح إلى ما شاكل ذلك على ما نفصّله من بعد. والثاني أن نبيّن أنّ أحدنا إذا حصل على صفة مخصوصة لا بدّ من أن يكون مريدا ، وتلك الصفة موجودة فيه تعالى ، فيجب كونه مريدا. وبيان هذا إنّ العالم منّا بما يفعله وهو مقصود في نفسه والتخلية بينه وبين إرادته قائمة فيما يدعوه إلى الفعل يدعوه إلى إرادته. وهذا الحكم في الشاهد معلوم ضرورة ، فإنّ أحدنا إذا دعاه الداعي إلى الأكل دعاه ذلك إلى إرادته إذا كانت الحال ما قلناه. وإنّما وجب أن يكون مريدا لا لشيء سوى ما ذكرناه من الأوصاف بدلالة أنّه لو كان ساهيا عن الفعل لما صحّ أن يكون مريدا ، فضلا عن أن يجب ذلك فيه ، ولو كان عالما والشيء غير مقصود إليه والغرض لا يتعلّق به مثل الإرادة نفسها ومثل ما يقع عن بطّ الجرح (ق ، ت ١ ، ٢٦٩ ، ٤)
ـ وبعد فإنّ هذه الحالة التي ثبتت للمريد قد وقع فيها خلاف ، فإنّ" أبا هاشم" قال مرة لا حال للمريد بكونه مريدا. وليس يرجع بذلك إلى أكثر من وجود إرادته بحيث تعتقب هي وضدّها عليها. فعلى هذا لا بدّ من أن يجعل الخطاب خطابا بالإرادة وكأنّه لمّا لم يقع إشكال في ثبوت الإرادة ووقع اللبس في هذه الحالة ، أمكن أن يقال إنّ كونه خبرا هو بالإرادة. فهذه الجملة تكشف عن هذا الإطلاق (ق ، ت ١ ، ٢٧٣ ، ٦)
ـ قال شيخانا أبو علي وأبو هاشم رحمهماالله وسائر من تبعهما أنّه تعالى مريد في الحقيقة ، وأنّه يحصل مريدا بعد ما لم يكن ، إذا فعل الإرادة ؛ وأنّه يريد بإرادة محدثة ، ولا يصحّ أن يريد لنفسه ولا بإرادة قديمة ، وأنّ إرادته توجد لا في محل (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٣ ، ٥)
ـ قال الجاحظ : إنّه تعالى مريد بمعنى أنّ السهو منه في أفعاله ، والجهل بها لا يجوز عليه. قال : وقد يقال في الحي إنّه مريد في اللغة على هذا الوجه (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٥ ، ١١)
ـ أمّا الكلام فيما يجوز أن يريده تعالى ، فالذي قاله شيوخنا رحمهمالله أنّه مريد لجميع أفعاله ، إلّا الإرادة ، ويريد من أفعال غيره ما أمره به ، وندب إليه. ولا خلاف بين أهل العدل أنّه لا يجوز أن يريد شيئا من القبائح (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٥ ، ١٥)
ـ قالت المجبرة : إنّه تعالى لم يزل مريدا لكون ما علم أنّه يكون من حسن وقبيح. وقالوا في جميع ما لا يقع منهم إنّه تعالى كاره لكونه مريدا أن لا يكون (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٦ ، ٥)
ـ اعلم أنّ الواحد منّا يجد نفسه مريدا للشيء ، ويعلم ذلك من حاله باضطرار ، كما يعلم من نفسه أنّه معتقد ، ومشته ، وظان ومفكّر ، وما هذه حاله يستغني في إثباته عن الدلالة ، وإنّما يحتاج إلى التأمّل في الفصل بينه وبين ما يلتبس به من أحوال الحي إلى التأمّل ، كما ذكرناه في كون المدرك مدركا (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٨ ، ٣)
ـ إنّ من الأفعال ما يحصل على بعض الوجوه لكون فاعله مريدا ، كالأمر والخبر وغيرهما ، مما يطول ذكره ، لأنّ فاعله لو لم يقصد الإخبار به عما هو خبر عنه لم يكن بأن يكون خبرا أولى من غيره ، لجواز صفته وليس بخبر. وكذلك