الشاهد والغائب ، لأنّ حقائق المعاني لا يصحّ أن تختلف أحكامها بالحضور والغيبة ، وكذلك الحدود (أ ، م ، ٦٩ ، ٦)
ـ أمّا المريد ، فقد قيل في حدّه : هو المختصّ بصفة لكونه عليها يصحّ منه الفعل على وجه دون وجه. وهذا وإن كان كذلك ، إلّا أنّ إيراده على طريق التحديد لا يصحّ ، لأنّ قولنا مريد أظهر منه ، ومن حق الحدّ أن يكون أظهر من المحدود ، ولهذا لم يحدّ الموجود بشيء ، لأنّ كل ما يذكر في حقيقته فقولنا موجود أظهر منه ؛ فيجب إذن أن لا نحدّ المريد أصلا ، لأنّ أي ما يذكر في حدّه فقولنا مريد أظهر منه ، وهكذا الكلام في الكاره (ق ، ش ، ٤٣٢ ، ١٠)
ـ إذا قلنا : إنّه تعالى مريد ، فلا نعني به كونه قادرا ولا عالما ، لأنّه قد يريد ما لا يقدر عليه وقد يقدر على ما لا يريده ، وهكذا في العلم ، وإنّما مرادنا أنّه حاصل على مثل صفة الواحد منّا إذا كان مريدا. وقد خالفنا في ذلك شيخنا أبو القاسم البلخيّ والنظّام ، وقالا : إنّا إذا قلنا : إنّه تعالى مريد لفعل نفسه فمرادنا أنّه يفعله لا على وجه السهو والغفلة ، وإذا قلنا إنّه مريد لفعل غيره فغرضنا أنّه آمر به ناه عن خلافه ، فلم يثبتا معنى هذه الصفة في القديم تعالى البتّة. ونحن إذا أردنا إثباته لله تعالى فبأن نبيّن أولا صحّته عليه جلّ وعزّ ، لأنّ إثبات الصفة تترتّب على صحّتها. والذي يدلّ على أنّ هذه الصفة تصحّ على الله تعالى ، هو ما قد ثبت أنّ المصحّح لها إنّما هو كونه حيّا ، بدليل أنّ من كان حيّا صحّ أن يريد ، ومتى لم يكن حيّا لم يصحّ أن يريد ، فيجب أن يكون المصحّح لهذه الصفة إنّما هو كونه حيّا (ق ، ش ، ٤٣٤ ، ١)
ـ اعلم أنّه مريد عندنا بإرادة محدثة موجودة لا في محلّ. وقد ذهبت النجّاريّة إلى أنّه تعالى مريد لذاته ، وذهبت الأشعريّة إلى أنّه تعالى مريد بإرادة قديمة ، وذهبت الكلابية إلى أنّه تعالى مريد بإرادة أزليّة (ق ، ش ، ٤٤٠ ، ٧)
ـ أمّا الكلام على الأشعريّة حيث قالت : إنّه تعالى مريد بإرادة قديمة فهو أن نقول : لو كان القديم تعالى مريد بإرادة قديمة ، لوجب أن تكون هذه الإرادة مثلا لله تعالى ، لأنّ القدم صفة من صفات النفس ، والاشتراك فيها يوجب التماثل ؛ ألا ترى أنّ السواد لما كان سوادا لذاته ، وجب في كل ما شاركه في كونه سوادا أن يكون مثلا له ، ولأنّه كان يجب أن يكون هذا المعنى عالما قادرا حيّا مثل القديم تعالى ، لأنّ الاشتراك في القديم يوجب الاشتراك في سائر صفات النفس ، وقد عرف فساده (ق ، ش ، ٤٤٧ ، ٧)
ـ إنّ كل فعل من أفعاله (الله) يقع على وجه دون وجه. فالاستدلال به على أنّه تعالى مريد ممكن ما لم يكن ذلك من باب ما يتأخّر العلم بوقوعه على هذا الوجه عن العلم بأنّه مريد نحو العقاب الذي يفعله بالمعاقبين. فإنّه بالقصد ينصرف إلى العقاب. ولكن الابتداء بالاستدلال بذلك غير صحيح وما خرج عن ذلك فكلّه يدلّ على ثبوت هذه الصفة من نحو وجوه الخطاب. والوجوه التي وقعت عليها الآلام في الدنيا والوجوه التي وقعت عليها أفعاله التي تعدّ في النعم. وكذلك ما يفعله فينا من شهوة القبيح والتمكين منه إلى ما شاكل ذلك. وإن كان بعض ذلك أظهر من بعض على ما ثبت في الخطاب أنّه أظهر دلالة من غيره (ق ، ت ١ ، ١٤٩ ، ٢)
ـ الدلالة على ثبوته (الله) مريدا تجري على