جهته لم يستحقّ المدح على الحسن ؛ كما لا يستحقّ الواحد منّا المدح على تركه قتل نفسه ، وعلى هربه من السّبع. وإنّما يستحقّ العاقل المدح على الفعل إذا كانت دواعيه متوافرة أو حاصلة إلى القبيح ويمكنه فعلها ، فإذا امتنع منها مع شهوته لها استحقّ المدح ، وكذلك القول في الواجب أنّه إنّما يستحقّ المدح به إذا كان له إلى فعل تركه داع فمتى آثره مع كونه شاقّا عليه استحقّ المدح على خلافه. وليس كذلك حال الملجأ ؛ لأنّ هذه الطريقة متعذّرة فيه فلذلك لم يحسن أن يكلّف ويستحقّ المدح على ما يفعله (ق ، غ ١١ ، ٤٩٢ ، ١٤)
ـ أمّا المدح فإنّه يستحقّ بوجهين : أحدهما أن يفعل الواجب لوجوبه في عقله ، ويفعل الحسن لحسنه في عقله. والثاني ألّا يفعل القبيح لقبحه في عقله. وقد بيّنا من قبل أن سائر الوجوه التي عليها يستحقّ المدح لا بدّ من أن ترجع إلى هذين (ق ، غ ١١ ، ٥٠٨ ، ٢)
ـ اعلم أنّه لا يستحقّ المدح بالفعل إلّا وله صفة زائدة ولفاعله صفة ، ويفعله على وجه مخصوص. والإخلال بواحد من هذه الثلاثة الأوجه يؤثّر في استحقاق المدح (ق ، غ ١١ ، ٥١١ ، ٨)
ـ قد تقرّر في العقول أنّ من حق الذمّ أن يكون مقابلا للقبح والإساءة على وجه يكون جزاء له. وأنّ من حق المدح أن يكون مقابلا للإحسان على هذا الحدّ. فلما ثبت ذلك عبّرنا عنه بأنّه مستحقّ ، وجعلنا ذلك كالعلّة في أنّه يحسن فعله إذا تقدّم من المفعول به ، والسبب الذي من حق هذا الفعل أن يتعلّق به تعلّق الجزاء. وإذا كان ما ذكرناه مفهوما لم يمتنع أن نجعله مقتضيا لحسنه على ما نذكره في الشكر (في) أنّه يجب لمكان النعمة ، إلى غير ذلك (ق ، غ ١٣ ، ٣٤٦ ، ٩)
ـ أمّا المدح فإنّه يستحقّ بالواجب إذا كان واجبا ، وكان فاعله عالما بوجوبه ، أو وجوب ما يوجد بوجوده ، ويفعله للوجه الذي له حسن ووجب ، وأن يكون مخلّى بينه وبينه ، فمتى تكاملت هذه الشروط استحقّ المدح به. وكذلك القول في الندب ، وإنّما قلنا إنّ الفعل يجب أن يكون واجبا أو ندبا ، لأنّه قد ثبت في القبيح أنّه لا يستحقّ به المدح ، وفي المباح الذي ينتفع به فاعله ، ويفعله لهذا الوجه كمل ، فلم يبق إلا أنّه يستحق بالواجب والندب. وإنّما شرطنا كون فاعل الواجب عالما بوجوبه ، لأنّه متى لم يكن كذلك ، لم يصحّ أن يفعله للوجه الذي له وجب ، فإذا وجب اشتراط هذا الوجه ، فما لا يتمّ إلّا به يجب كونه شرطا (ق ، غ ١٤ ، ١٧٧ ، ١٦)
ـ أما المدح والذم واشتقاق اسم الفعل من فعله فليس كما ظنّوا ، لكنّ الحق هو أنّه لا يستحقّ أحد مدحا ولا ذمّا إلّا من مدحه الله تعالى أو ذمّه (ح ، ف ٣ ، ٧١ ، ٢١)
ـ المدح والذم يدومان ويدلّان على الثواب والعقاب ، وهما يحبّان بالقلب لا باللسان. أبو رشيد : بهما. قلنا : إنّما يحبّان باللسان لإزالة التهمة (م ، ق ، ١٢٢ ، ٨)
مدح وثواب على الفعل
ـ أمّا المدح والثواب على الفعل ، فمن شرطه أن يكون ذلك الفعل واجبا ، أو مرغّبا فيه ، فيحصل له صفة زائدة على حسنه ، وعلى كونه مباحا ، أو يجب أن يكون متمكّنا مخلّى بينه وبينه ، والإلجاء مرتفع ، ويجب أن يفعله لحسنه