الخالق خالقا من حيث قصد بالفعل إلى بعض الأغراض. وقال : إنّ تسمية المخلوق توجد من معنى هو الخلق ؛ والخلق والتقدير هما إرادتان ، ولا يوصف الخلق بأنّه خلق إلّا والمخلوق موجود ، ومتى كان معدوما لم يسمّ خلقا ، والتقدير لا يسمّى خلقا إلّا بشرط وجود المقدور ، ولا مخلوق إلّا محدث ، وقد يكون محدثا ليس بمخلوق ، لأنّه يفيد صفة زائدة على حدوثه (ق ، غ ٨ ، ١٦٢ ، ٩)
ـ قال شيخنا أبو هاشم ، رحمهالله ، في نقض المرجان وغيره أنّه إنّما يوصف بأنّه مخلوق ، من حيث حدث من فاعله على مقدار لا على سبيل السهو. وكثير من أهل اللغة لا يصف القديم ، سبحانه ، بأنّه مريد ؛ ويصف أفعاله بأنّها مخلوقة (ق ، غ ٨ ، ١٦٣ ، ٢)
ـ بيّنا أنّ المخلوق لا يفيد أنّه مخترع ، ولا أنّه من فعل الله ، تعالى ، فلا طائل في إعادته. ودللنا على أنّ العبد في الحقيقة يوصف بأنّه يخلق بقوله تعالى : (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) (العنكبوت : ١٧) ، وقوله : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (المؤمنون : ١٤) ، وقوله : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) (المائدة : ١١٠). وبيّنا أنّ التعلّق بقوله تعالى : (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) (فاطر : ٣) ، وقوله : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ) (النحل : ١٧) لا يصحّ ؛ فهذا كلام من جهة العبارة. فأمّا من جهة المعنى ، فإنّما يجب أن نبيّن أنّ العبد يحدث الشيء ، وأنّه يصحّ أن يحدثه مقدورا ، وأن قول من قال : لا محدث إلّا الله ، حقّا. فهذا الموضع هو الذي يتناوله الدليل دون غيره (ق ، غ ٨ ، ١٦٣ ، ٥)
ـ وقولهم (أهل الكسب) إنّ المخلوق هو المحدث باطل ، لأنّ أهل اللغة خصّوا بذلك ما يقع مقدّرا دون ما يقع سهوا وتبخيتا ، وقولهم إنّ المخلوق هو المحدث يدلّ على أنّ له محدثا وخالقا هو الله فغلط ، لأنّه إنّما يدلّ على أنّ له محدثا وخالقا إن كان مقدّرا على الجملة ، ثم نظر من خالقه ومحدثه ، فما دلّ على إثبات الخالق على الجملة لا يدلّ على أنّه هو الله ، كما أنّ كون الفعل كسبا عندهم يدلّ على أن له مكتسبا ، ولا يدلّ على مكتسب معيّن (ق ، غ ٨ ، ٢٨٣ ، ١٤)
ـ قال أبو محمد وأمّا سائر أفعال الله تعالى فبخلاف ما قلنا في الخلق ، بل هي غير المفعول فيه أو له أو به أو من أجله ، وذلك الإحياء فهو غير المحيّا بلا شكّ ، وكلاهما مخلوق لله تعالى ، وخلقه تعالى لكل ذلك هو المخلوق نفسه كما قلنا ، وكالإماتة فهي غير الممات ، ولو كان غير هذا وكان الإحياء هو المحيّا ، والإماتة هي المماتة ، وبيقين ندري أنّ المحيّا هو الممات نفسه ، لوجب أن يكون الإحياء هو الإماتة وهذا محال ، وكالإبقاء فهو غير المبقي للبرهان الذي ذكرنا ، وبيقين ندري أنّ الشيء غير أعراضه التي هي قائمة به وقتا وفانية عنه تارة ، وبالله تعالى التوفيق (ح ، ف ٥ ، ٤١ ، ٨)
ـ أما وصف الكلام وغيره من الأفعال بأنّه مخلوق فمعناه أنّه مفعول على حدّ يطابق الغرض ، لأنّ الخلق هو التقدير ، فكأنّه قد صار مقدّرا بالغرض والدّاعي. وسائر أفعال الله تعالى موصوفة بذلك لثبوت ذلك الوجه فيها ، وعلى هذا قال تعالى : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) (المائدة : ١١٠) لما كان مقدّرا. وقال أهل اللغة : خلقت الأديم : إذا قدّرته ، فصارت هذه موضوعة للتفرقة بين ما يقع على