يعرف أنّ هذا حقيقته بمثل ما به نعرف في شيء من أسماء الفاعلين أنّه يفيد فعلا من الأفعال ، وهذا نحو الضارب والكاسر والمنعم وغيرهما. ومعلوم أنّ الطريق الذي به ثبتت هذه الأوصاف مفيدة للفعليّة بدليل أنّك لا تعلم كذلك إلّا عند وقوع هذه الأفعال منه بحسب أحواله. فإن لم تعرف ذلك لم تعرف متكلّما ، ومتى عرفت هكذا عرفت متكلّما فجرى مجرى ما ذكرناه (ق ، ت ١ ، ٣٢٠ ، ٢)
ـ اعلم أنّه إذا كان المتكلّم يعنى به أنّه فعل الكلام ، فقد كفى في صحّة كونه متكلّما كونه قادرا على هذا النوع ، كما أنّ سائر الأوصاف التي تتبع الفعليّة يكفي في صحّتها كونه تعالى قادرا عليه. فإذا أحدث الكلام ثبت كونه متكلّما ، كما إذا أحدث النعمة كان منعما ، وليس الذي لأجله كان أحدنا موصوفا بأنّه متكلّم إلّا فعله للكلام فقط دون أن يقال : إنّما وصف بذلك لفعله له بآلة ولسان ، ذلك لأنّ الحدّ لا تدخله الآلات التي بها تقع الأفعال. فلهذا لو فعل الله تعالى الكتابة لسمّي كاتبا ، ولو فعل الحركة لسمّي محرّكا ، وإن كنّا نعلم أن أحدنا يفعل ذلك بآلات والقديم تعالى لا يفعله بآلة ، فعلى هذا إذا أردنا تحديد المحرّك والكاتب لم تدخل تحت الحدّ الآلة ، وعلى هذا صحّ وصفه تعالى بالقول وإن كنّا نعلم أن أحدنا لا يكون قائلا إلّا بآلة (ق ، ت ١ ، ٣٢٧ ، ٣)
ـ اعلم أنّ إثبات المتكلّم متكلّما على وجه ينقض حقيقة هذا الوصف ، يجب أن يبطل ، وقد بيّنا أنّ حقيقة ذلك أنّه فعل الكلام. فإذا لم تكن هناك حاله ولم يرجع بهذا إلى أكثر مما ذكرناه ، فالقول بأنّه متكلّم لنفسه أو بكلام قديم ناقض لذلك ، لأنّ في القول بأنّه للنفس رفعا للكلام أصلا. وفي القول بأنّ كلامه قديم إثبات له غير فعل ولا يصحّ واحد من هذين ، فبطل القولان جميعا. فأمّا من أثبت كلاما قديما فإنّه نكلّمه بما كلّمناهم به في باب الصفات من وجوب كون ذلك الكلام مثلا لله تعالى من حيث اشتركا في القدم (ق ، ت ١ ، ٣٢٩ ، ٢)
ـ ما دللنا به على أنّ حقيقة المتكلّم أنّه فاعل للكلام ، يوجب أن يكون متكلّما بكلام يحدثه هو ، لأنّا قد بيّنا أنّ تعلّق كلامه به هو من حيث الفعليّة لا غير. وبعد فإذا لم يكن متكلّما بكلام يحدثه ، وكان ذلك مستندا إلى كونه حيّا ، وجب أن يكون كوننا أحياء يوجب كوننا متكلّمين ، وفي هذا نفي الكلام أصلا (ق ، ت ١ ، ٣٣٤ ، ٩)
ـ ما يدلّ به على أنّ المتكلّم منّا إنّما يصير متكلّما لأنّه فعل الكلام ، يبطل القول بأنّه يوجب للجملة حالا (ق ، غ ٧ ، ٤٧ ، ١٥)
ـ قد علم أنّ أهل اللغة متى علموا وقوع الكلام بحسب قصد زيد وإرادته ودواعيه وصفوه بأنّه متكلّم ، ومتى لم يعلموا ذلك من حاله لم يصفوه به ، فيجب أن يكون وصفهم له بأنّه متكلّم يفيد أنّه فعل الكلام ، ولسنا نعني بذلك أنّهم أفادوا به أنّه المحدث له ، لأنّ ذلك مما يعلم باستدلال ، ولا يكاد ينتهي إليه إلّا أهل النظر ، وإنّما نريد بذلك أنّهم متى علموه متعلّقا به ، وواقعا بحسب قصده ، وصفوه متكلّما ، فيجب أن يكون ذلك فائدة هذه الصفة ، وإن كان لا يمتنع ـ متى علمنا أنّ هذا التعلّق يقتضي حدوثه من جهته ـ أن نقول : إنّ حقيقة المتكلّم أنّه فعل الكلام وأحدثه ، وننتهي في تلخيص فائدة هذه الصفة إلى غاية ما يمكن فيها على