أن يكون بين وجود وعدم ، أو بين وجودين ؛ إذ الأعدام المحضة لا تقابل بينها. فإن كان القسم الأوّل فهو تقابل السلب والإيجاب وذلك كقولنا الإنسان فرس ، الإنسان ليس بفرس وهو مما يستحيل اجتماع طرفيه في الصدق أو الكذب. وإن كان من القسم الثاني ، فإمّا أن لا يعقل واحد منهما إلّا مع تعقّل الآخر أو ليس : فإن كان الأول فيسمّى تقابل المتضايفين ، وذلك كما في الأبوّة والبنوّة ونحوهما. ومن خواص هذا التقابل ارتباط كل واحد من الطرفين بالآخر في الفهم ، وإن كان الثاني فيسمّى تقابل الضدّين ، وذلك كالتقابل الواقع بين السواد والبياض ونحوه. ومن خواص هذا التقابل جواز انتقال طرفيه بالحركة إلى واسطة تكون بينهما. وأمّا إن كان من القسم الثالث فيسمّى تقابل العدم والملكة ، والمراد بالملكة هاهنا كل قوّة على شيء ما مستحقّة لما قامت به إمّا لذاته أو لذاتيّ له. وذلك كما في قوة السمع والبصر ونحوه للحيوان ، والمراد بالعدم هو رفع هذه القوّة على وجه لا تعود ، وسواء كان في وقت إمكان القوى عليه أو قبله ، وذلك كما في العمى والطرش ونحوه للحيوان (م ، غ ، ٥٠ ، ٩)
متقدّم
ـ معنى قولنا متقدّم هو : أنّه تعالى دلّ بالعقل على أنّه لا يخاطب بالتكليف والتعبّد العاجز ، ومن لا يفعل ، فيرد قوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) (البقرة : ٢١) مرتّبا على ذلك ، لا أنّا نريد بذلك أنّ العقل متقدّم للخطاب ، لأنّ العقل مقارن له في الحقيقة أيضا ـ فالمراد بذلك ما قدّمناه (ق ، غ ١٧ ، ٢٨ ، ١٥)
ـ المتأخّر كما لا يبطل المتقدّم لا يوجبه أيضا ، بل المتقدّم هو الذي يوجب المتأخّر إذا كان التقدّم بالعليّة (ط ، م ، ٣٠١ ، ١٤)
متكلّم
ـ اختلفت المعتزلة في ذلك فمنهم من أثبت البارئ متكلّما ، ومنهم من امتنع أن يثبّت البارئ متكلّما وقال : لو ثبّته متكلّما لثبّتّه متفعّلا والقائل بهذا" الاسكافي" و" عبّاد بن سليمان" (ش ، ق ، ١٨٥ ، ١٢)
ـ مما يدل من القياس على أنّ الله تعالى لم يزل متكلّما ، أنّه لو كان لم يزل غير متكلّم وهو ممن لا يستحيل عليه الكلام ، لكان موصوفا بضدّ من أضداد الكلام من السكوت أو الآفة. ولو كان لم يزل موصوفا بضدّ الكلام ، لكان ضدّ الكلام قديما. ولو كان ضدّ الكلام قديما لاستحال أن يعدم وأن يتكلّم الباري ، لأنّ القديم لا يجوز عدمه كما لا يجوز حدوثه ، فكان يجب أن لا يكون الباري تعالى قائلا ولا آمرا ولا ناهيا على وجه من الوجوه ، وهذا فاسد عندنا وعندهم. وإذا فسد هذا ، صحّ وثبت أنّ الباري لم يزل متكلّما قائلا (ش ، ل ، ١٧ ، ١٢)
ـ إنّ المتكلّم لا يخلو ؛ إمّا أن يكون متكلّما لأنّه فعل الكلام ، أو لأنّ الكلام أوجب له حالة أو صفة ، أو لأنّ الكلام حلّه أو بعضه ، أو لأنّ الكلام أثر في آلته على معنى أنّه الخرس والسكوت عنه ، أو لأنّه موجود به ، والأقسام كلها باطلة ، فلم يبق إلّا أن يكون المتكلّم إنّما كان متكلّما لأنّه فاعل الكلام على ما نقوله (ق ، ش ، ٥٣٦ ، ٨)
ـ اعلم أنّ المتكلّم عندنا هو فاعل الكلام ، وإنّما