صلب فتراجع بالصكّة ، فما يوجد من الاعتماد في كفّنا هو متولّد ، وإن كان في محلّ القدرة. وكذلك فلو رمى حجرا فدفعه إلى يده قادر آخر ، لكان متولّدا وهو في محلّ القدرة ، فبطل أن الفرق بين الأمرين ما قالوه. فإذا يجب أن يجعل الدلالة الفاصلة بين هذين الفعلين ، إنّ ما يجعل متولّدا هو الذي يقع بحسب فعل آخر ، حتى أنّه ربما تعذّر به إيجادنا له إلّا كذلك. وربما صحّ ولكنّه إذا وقع على هذا الحدّ وما تتعذّر الإشارة إلى شيء يقع هذا بحسبه نجعله واقعا ابتداء (ق ، ت ١ ، ٤١٢ ، ٥)
ـ إنّ الغرض بقولنا : إنّه مباشر ، إبانة فعل من فعل. لأنّا لمّا علمنا أنّ العبد يفعل على وجهين : أحدهما ، بأن يبتدئه بالمقدرة في محلّها ، والآخر ، بأن يفعل مقدوره بواسطة يوجد بحسبها. واحتجنا إلى أن نجد أحدهما بما يفارق به الآخر ، فحدّدنا المباشر بما ذكرناه ، لأنّه به بان من المتولّد ؛ وجعلنا كلا الفعلين متعلّقا بالجملة من حيث كان فعلا ، وجعلناه حادثا من جهته. والأحكام التي تتعلّق بالفعل ، إنّما تتعلّق به من حيث كان محدثا له والمباشر كالمتولّد في ذلك. ولا يجب أن نذكر في حدّ المباشر ذلك ، إذا كان المقصد به إبانة من فعل من فعل ؛ كما لا يجب ذكر ذلك في أجناس الأفعال (ق ، غ ٨ ، ٩١ ، ٧)
ـ ليس لأحد أن يقول إن وقوع المباشر بحسب قصده إنّما دالّا على أنّه فعله من حيث وقع من جهته ابتداء ولم يتعلّق وجوده بغيره ، وهذا المعنى لا يصحّ في المتولّد ، فلم يجب أن يشاركه في الحكم ، وذلك لأنّ الذي له علمنا أنّ المباشر فعله هو وقوعه بحسب قصده على ما بيّناه دون حدوثه ابتداء ، لأنّ اللون الحالّ فينا والمرض والصحّة قد توجد ابتداء ، ولم يجب كونه فعلا له ، وإنّما فارق المباشر هذه الأمور من حيث وجب وقوعه بحسب قصده لا لأنّه وجد مبتدأ ، فإذا كانت هذه الطريقة موجودة في المتولّد فيجب كونه فعلا له أيضا. والمتولّد وإن فارق المباشر في كيفيّة وجوده فلا يجب كونه مفارقا له فيما به نعلم أنّه حادث من جهة القادر ، لأنّ طريق العلم بالشيء قد يتّفق وإن كان حكمه في نفسه يختلف في الوجود. ألا ترى أن أحكام الأفعال المباشرة قد تختلف في الوجود ، ففيها ما يحتاج إلى محلّه فقط ، وفيها ما يحتاج إلى محلّ على صفة ، ولم يمنع ذلك من اشتراكهما في أنّ ما به يعلم أحدهما فعلا لفاعله يعلم الآخر فعلا له (ق ، غ ٩ ، ٣٧ ، ١٠)
ـ ما قدّمناه في المباشر من أنّ وقوع الفعل بحسب دواعيه على أنّه فعله ، وأنّه حادث من جهته ، فإذا وجب ذلك في المباشر ، وكان المتولّد كالمباشر في أنّه يقع بحسب دواعيه ، فيجب كونه فعلا له وحادثا من جهته. وقد دللنا من قبل على أنّ فعلا من فاعلين لا يصحّ ، فيجب ألّا يكون فعلا لغيره (ق ، غ ٩ ، ٣٨ ، ٤)
ـ إنّ الدلالة قد دلّت على أنّ الواحد منّا يجوز أن يفعل المباشر وهو عاجز لأنّ فناء القدرة في حال الفعل لا يمتنع عندنا على ما سندلّ عليه من بعد. وإذا جاز مع فنائها الفعل لم يمتنع أيضا مع وجود العجز ، وكذلك يصحّ أن يفعل مع الموت كل فعل لا يحتاج في وجوده إلى الحياة ، ولذلك يصحّ من القادر منّا أن يقتل نفسه فيكون فاعلا للقتل في حال يستحيل كونه حيّا وقادرا ، وإنّما يستحيل أن يفعل أفعال القلوب في حال الموت لحاجتها في الوجود