لم يثبت فيهم حكم القبيح من استحقاق الذمّ لفقد الشرط فيهم وهو كمال العقل ، فقد يقع منهم ما هو قبيح. خلافا لما قاله" الشيخان" من أن فعل من ليس بعاقل لا يوصف بالقبح ، ثم الذي يقع من هؤلاء من القبائح ، هو ما كان قبحه لصفة ترجع إليه كنحو الظلم والكذب وغيرهما ، لأنّه إنّما يقبح لهذا الوجه الجاري مجرى العلّة لقبحه ، فلا يصحّ مع قبحه إلّا أن يكون قبحا (ق ، ت ١ ، ٢٤٣ ، ٣)
ليس كمثله شيء
ـ معتقد أهل الحق أنّ الباري لا يشبه شيئا من الحادثات ولا يماثله شيء من الكائنات ، بل هو بذاته منفرد عن جميع المخلوقات ، وأنّه ليس بجوهر ولا جسم ولا عرض ، ولا تحلّه الكائنات ، ولا تمازجه الحادثات ، ولا له مكان يحويه ، ولا زمان هو فيه ، أوّل لا قبل له ، وآخر لا بعد له ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير (م ، غ ، ١٧٩ ، ٧)
ليس من شرط المكلّف
ـ اعلم أنّه ليس من شرط المكلّف أن يعلم كونه مكلّفا الفعل. قبل أن يفعله ؛ لأنّ ذلك لو كان من شرطه لقطع على أنّه سيبقى لا محالة وقد ثبت خلافه ؛ لأنّ الواحد منّا يجوّز على نفسه الاخترام في كل حال ، ولأنّ القطع على ذلك يجري مجرى الإغراء بالمعاصي ، فيجب ألّا يكون ذلك شرطا ؛ لما ذكرناه أوّلا ، وألّا يجوز أن يحصل في المكلّف ؛ لما ذكرناه ثانيا (ق ، غ ١١ ، ٤٠١ ، ١٧)
ـ ليس من شرط المكلّف أن يكون في حال التكليف عاقلا عالما يمكنه معرفة الخطاب ؛ لمثل ما قدّمناه من العلّة. ولذلك جوّزنا في المعدوم والعاجز أن يكون ـ سبحانه ـ آمرا لهما ، ومكلّفا إذا كان هناك من يتحمّل التكليف ، ويكون تقديم الخطاب مصلحة له. فإذا صحّ ذلك ثبت أنه ليس من شرطه أن يكون موجودا في تلك الحال ؛ لأنّه لو اعتبر ذلك لوجب أن يعتبر من حيث يجب كونه بصفات المكلّف ؛ لأنّ الوجود وحده لا معتبر به. وقد بيّنا أن ذلك لا يصحّ (ق ، غ ١١ ، ٤٠٢ ، ١١)
ـ ليس من شرط المكلّف أن يعلم أنّه يطيع لا محالة ؛ لأنّا قد دللنا على حسن تكليف من يعلم أنّه يكفر ، فلا يجب إذا أن يكون عالما بأنّه يؤمن ؛ كما لا يجب أن يعلم بأنّه يكفر. وكذلك فلا يجب أن يكون عالما بأنّه يكفر ، إلّا أن يعلم أنّ في ذلك صورا من الإغراء (ق ، غ ١١ ، ٤٠٢ ، ١٧)
ـ ليس من شرط المكلّف متى كلّف بعض الأفعال أن يعلم أنّه لا يزول ذلك التكليف عنه ما دام نصفه بصفة المكلّف إلى خلافه ؛ لما سنبيّنه من بعد في باب نسخ الشرائع. وإنما يجب في العقليات أن يعلم أنّها لا تتغيّر ؛ لأنّ الدلالة دلّت على أنها لا تختلف في الوجه الذي له كلّف ، لا لأنّ ذلك شرط في التكليف ، ولذلك يصحّ أن يكون مكلّفا وإن لم يستدلّ على ذلك (ق ، غ ١١ ، ٤٠٢ ، ٢١)
ـ ليس من شرط المكلّف أن يعلم أنّ له مكلّفا ؛ لأنّه إذا علم وجوب الواجب عليه وقبح القبيح منه كفى ذلك فيما يصحّ منه من أداء ما كلّف وإن لم يعلم أنّ له مكلّفا قد أعلمه ذلك أو أمره به أو أراده. وإنّما يجب أن يعلم ذلك في السمعيّات خاصّة ؛ لأنّ طريق معرفته بوجوبها الأمر ، وبقبح ما يقبح النهي ، فلا بدّ من أن