مرّ ، وسس ، وقل ، وكل ، حرفان مع أنه كلام. فالأولى أنّ نقول في حدّه : هو ما انتظم من حرفين فصاعدا ، أو ما له نظام من الحروف مخصوص. فلا يلزم على هذا أن لا يكون قولهم ق ، وع ، كلاما ؛ لأنّ ق ، وع ، حرفان. يبيّن لك ذلك ، إذا وقفت عليه ، فإنّك تقول في الوقف : قه ، وعه. يدلّك على هذا هو أنّهم نصّوا على أنّه لا يصحّ الابتداء إلّا بالمتحرّك ، ولا الوقف إلّا على الساكن ، فلو لا أنّ : ق وع حرفان ، وإلّا فكيف يصحّ الابتداء به والوقف عليه ، فصحّ ما قلناه. ولا يعاب علينا تحديدنا الكلام بما له نظام ، فإنّ أكثر ما في ذلك أنّه تحديد بالمجاز ، وذلك سائغ. ولا يجب أن يكون مفيدا ، بخلاف ما ذهب إليه شيخنا أبو هاشم ، وإلّا كانوا لا يعدون المهمل من أقسام الكلام وقد عرّوه منه. وأيضا فلو كان الكلام هو ما يفيد ، على ما يحكى عن أبي هاشم ، لكان يجب في عقد الأصابع والإشارة بالرأس أنّه يكون كلاما ، ومعلوم خلافه. فهذا هو حقيقة الكلام (ق ، ش ، ٥٢٨ ، ١٦)
ـ إنّ الكلام لا يدلّ على ما يدلّ عليه لأمر يرجع إليه ، وإنّما يدلّ لكون فاعله حكيما ، ولذلك لم يدلّ كلام النبي صلىاللهعليهوسلم على الأحكام إلّا بعد العلم بأنّه رسول حكيم لم يظهر المعجز عليه إلّا لكونه صادقا في سائر ما يؤدّيه ، وليس كذلك دلالة الفعل على أنّ فاعله قادر ، ولأنّه إنّما يدلّ لأمر يرجع إليه لا يتعلّق باختيار مختار. وهو أن الفعل إذا صحّ من واحد وتعذّر على من هو بمثل حاله فلا بدّ من أن يختصّ بأمر له صحّ الفعل منه ، وهذه الجملة لا تتعلّق بالاختيار ، فلذلك يصحّ أن يستدلّ بالحوادث التي لا يجوز أن تحدث من الأجسام على الله تعالى وعلى أنّه قادر عالم ، وليس كذلك حال القرآن (ق ، م ١ ، ٣ ، ٦)
ـ إنّ الكلام عندنا من جملة أفعاله كالإرادة ، فلا يصحّ كونه مريدا لنفسه ولا بإرادة قديمة ، بل يتبع كونه مريدا كونه فاعلا. فكذلك الحال في كونه متكلّما لا يصحّ أن يكون للنفس ولا بكلام قديم ، بل يتبع فعله الذي هو الكلام. والمخالفون لنا قد أجروا ذلك على نحو مذهبهم في الإرادة ، ونحن وإن فرّقنا بين كون المريد مريدا وبين كونه متكلّما من حيث لا حال له بكونه متكلّما وله بكونه مريدا حال ، فهما من الوجه الذي ذكرناه متّفقان وإن لم يكن الكلام من هذا الباب معنى ، لو لا أنّ القرآن هو دليل على الأحكام الشرعيّة ، ولو لم يكن فعلا من أفعاله جلّ وعزّ لما دلّ ، فوجب عند ذلك أن يبيّن حكمه (ق ، ت ١ ، ٣١٧ ، ٣)
ـ بدأ بحدّ الكلام فجعله ما يحصل من الحروف المعقولة له نظام مخصوص. والأصل في ذلك أنّ الشيء لا يصير معقولا باسمه ، بل يجب أن يكون معقولا أوّلا ثم يتبعه الاسم ، فصارت الفائدة في المسمّى غير معقودة بالاسم. فإذا لم يعقل الشيء امتنعت تسميته باسم وصار ذلك بمنزلة قولنا : " عالم" لأنّا إن لم نعقل صحّة الفعل المحكم لم يجز أن نعبّر عنه بقولنا : " عالم". فإذا ثبتت هذه الجملة فيجب أن يتقدّم لنا العلم بما تريد تسميته بأنّه كلام. والذي عقلناه في ذلك هو إن تكلّم أحدنا في هذا الوقت بحرف ثم انقطع عن الحرف الثاني فأتى به بعد زمان ، لم يعدّ ما فعله كلاما. فما جرى هذا المجرى هو الذي نعرفه كلاما ونسمّيه بذلك ، وعلى هذا لو نطق بحرف واحد فقط لم يعدّ متكلّما ولا عدّ ما فعله كلاما. وهذا الحدّ