معلوما كذلك ،
فيجب أن يكون الكذب هو هذا المسموع ، لأنّه هو الذي يعلم بالاضطرار ، وما عداه
فإنّه لا يعلم باضطرار ولا باستدلال. فإذا كان الكذب هو هذا المسموع وجب أن يكون
من فعلنا حتى يكون حكمه متعلقا بنا (ن ، د ، ٣٣ ، ٦)
ـ للكرّامية في
هذه المسألة بدع ما سبقوا إليها. منها أنّ بعضهم زعم أنّ حقيقة الصدق هو الخبر
الذي تحته معنى والكذب هو الخبر الذي لا معنى تحته (ب ، أ ، ٢١٧ ، ١٧)
ـ إنّه ليس في
العالم ظلم لعينه ولا بذاته البتّة ، وإنّما الظلم بالإضافة ، فيكون قتل زيد إذا
نهى الله عنه ظلما ، وقتله إذا أمر الله بقتله عدلا ، وأمّا الكذب فهو كذب لعينه
وبذاته ، فكل من أخبر بخبر بخلاف ما هو فهو كاذب ، إلّا أنّه لا يكون ذلك إثما ولا
مذموما إلّا حيث أوجب الله تعالى فيه الإثم والذمّ فقط ، وكذلك القول في الجهل والعجز
إنّهما جهل لعينه وعجز لعينه ، فكل من لم يعلم شيئا فهو جاهل به ولا بدّ ، وكل من
لم يقدر على شيء فهو عاجز عنه ولا بدّ ، والوجه الثاني أنّ بالضرورة التي بها
علمنا من نواة التمر لا يخرج منها زيتونة ، وأنّ الفرس لا ينتج جملا ، بها عرفنا
أنّ الله تعالى لا يكذب ولا يعجز ولا يجهل ، لأنّ كل هذه من صفات المخلوقين عنه
تعالى منفيّة إلّا ما جاء نص بأن يطلق الاسم خاصّة من أسمائها عليه تعالى فيقف
عنده (ح ، ف ٣ ، ٧٤ ، ٢٣)
ـ ما علم كونه
كذبا قطعا فهو ما يخالف مخبره المعلوم ضرورة ونظرا فهو كالإخبار عن المحسوسات على
خلاف حكم تعلّق الحواس بها ، وكالأخبار عن قدم العالم مع قيام الأدلّة القاطعة على
حدثه. وما يتردّد من الأخبار ، فهو ما يتعلّق بجائز لا يستحيل فيه تقدير النفي ولا
تقدير الإثبات (ج ، ش ، ٣٤٧ ، ١١)
ـ الكذب : الإخبار
عن الشيء على خلاف ما هو به وهو قبيح كله (ز ، ك ١ ، ١٧٨ ، ٦)
كرامات الأولياء
ـ أمّا كرامات
الأولياء فجائز عقلا ووارد سمعا ، ومن أعظم كرامات الله تعالى على عباده تيسير
أسباب الخير لهم ، وتعسير أسباب الشرّ عليهم ، وحيثما كان التيسير أشدّ وإلى الخير
أقرب ، كانت الكرامة أوفر ، وما ينقل عن بعضهم من خوارق العادات وصحّ النقل وجب
التصديق ، ولا يجوز الإنكار عليه (ش ، ن ، ٤٩٧ ، ٤)
كرامة
ـ اعلم أنّ
المعجزات والكرامات متساوية في كونها ناقضة للعادات. غير أنّ الفرق بينهما من
وجهين : أحدهما تسمية ما يدلّ على صدق الأنبياء معجزة ، وتسمية ما يظهر على
الأولياء كرامة للتمييز بينهما. والوجه الثاني أن صاحب المعجزة لا يكتم معجزته بل
يظهرها ويتحدّى بها خصومه ويقول إن لم تصدقوني فعارضوني بمثلها. وصاحب الكرامة
يجتهد في كتمانها ولا يدّعي فيها (ب ، أ ، ١٧٤ ، ١٣)
ـ اعلم أنّ كل
كرامة تظهر على يد وليّ فهي بعينها معجزة لنبيّ إذا كان الوليّ في معاملاته تابعا
لذلك النبيّ ، وكل ما يظهر في حقّه فهو دليل على صدق أستاذه وصاحب شريعته ، فلا
تكون الكرامة قط قادحة في المعجزات ، بل هي مؤيّدة لها دالّة عليها راجعة عنها
وعائدة إليها (ش ، ن ، ٤٩٧ ، ١٨)