وقال : لأنّ معنى قوّاه على كذا ، ليس هو أنّه أعطاه قوّة تصلح له ، بل معناه أنّه أعطاه قوّة تصلح له ليفعله. والله تعالى لم يعط الكافر القوة التي تصلح للكفر ليكفر بها. بل أعطاه ليتركه (ن ، م ، ٢٥٦ ، ١٣)
ـ إنّ الإقدار هو فعل القدرة. وكما يجوز أن يقال : " أقدر الكافر على الكفر" فكذلك يجوز أن يقال" قوّاه عليه". وليس يفيد" قوّاه عليه" ، أنه خلق القوّة له ليكفر ، كما لا يقتضي ذلك قولنا : " أقدره". وإنما يفيد ذلك إذا قيل : " أعانه على الكفر". وليس يمكن أن يدعى بعارف في قول القائل" قوّاه على الكفر" ، إنه يفيد فعل القوّة لكي يكفر. وأنه صحّ أنّ فيه تعارفا ، فالواجب أن نتجنّب إطلاقه (ن ، م ، ٢٥٦ ، ١٩)
قياس
ـ اعلم ـ أنّ للقياس صورة في العقليّات لا يصحّ أن يثبت في الشرع إلّا على ذلك الحدّ ؛ فنحن نعلم أنّ الكذب ، الذي لا نفع فيه ولا دفع مضرّة ، قبيح ، ويشتبه علينا الحال في الكذب إذا كان فيه نفع أو دفع ضرر ، فإذا استدللنا فعلمنا أنّ الأوّل قبيح لكونه كذبا ، لا لتعرّيه من نفع ودفع مضرّة ، حملنا عليه الثاني ؛ وعلى هذا الوجه نقيس الجسم على العرض في باب الحدوث ، وإن لم نعلم حدوث العرض إلّا باستدلال ، فلا فرق بين أن نعلم حكم الأصل باضطرار أو استدلال ، في أن قياس غيره عليه ممكن ، إذا شابهه فيما له وجب ذلك الحكم ؛ فلا معتبر باختلاف حكم الأصل ، في باب العلم ، لأنّ الضروريّ فيه كالمكتسب ؛ وكذلك فلا فرق بين اختلاف الوجوه التي بها نعلم علّة الحكم ، أو ثبات العلّة ، في أنّ عند جميعه يصحّ منّا قياس ما لا نعلمه على ما علمنا في حاله ؛ فإذا صحّ ذلك لم يمتنع استعمال مثله في الأحكام الشرعية ، بأن يعلم في بعض الأصول أنّه محرّم ، وتشتبه علينا حال غيره ، فإذا عرفنا علّة الأصل قسناه عليه ؛ وذلك مثل نصّه ، جلّ وعزّ ، على الإماء في تنصيف الحدّ ، فإذا علمنا أنّ العلّة في ذلك الرقّ قسنا عليهنّ العبيد ؛ وإذا علمنا تحريم الخمر لم يمتنع أن نعلم أنّ علّته موجودة في النبيذ فنقضي بتحريمه (ق ، غ ١٧ ، ٢٨٠ ، ٣)
ـ قد بيّنا أنّه لا بدّ في القياس من أصل ، والذي يحصل من الخلاف في ذلك ليس إلّا أحد مذهبين ؛ أمّا القول بأنّ الأصل هو الحكم الثابت بالشرع ؛ أو يقال : إنّه الدلالة الواردة من كتاب أو سنّة أو إجماع ؛ فالأوّل طريقة من يحصل من الفقهاء ، وإن كان فيهم من يبعد عن التحصيل فيقول : إنّ الأصل في الربا البر أو الحكم الواقع. وكلام شيوخنا المتكلّمين ، يدلّ على أنّ الأصل في ذلك الدلالة لأنّها المعتبرة في باب القياس ؛ فيقال : ما الذي أراده ، صلى الله عليه ، بقوله : البر بالبر ربا؟ هل أراد تعلّق الحكم بالاسم ، أو ببعض الصفات؟. فإذا علم تعلّقه ببعض الصفات فليس عليه ؛ وغير بعيد الجمع بين المذهبين ؛ فيقال : لا بدّ من اعتبار الحكم الذي وارد به الدليل ، كما لا بدّ من اعتبار نفس الدليل ؛ والدليل بانفراده لا يقتضي القياس ، حتى ينضاف إليه الدلالة الدالّة على صحّة القياس ، وبيان طريقه ؛ فلا بدّ من كل ذلك ؛ فإذا وجب ذلك ، فإن كان الأصل هو الدليل فلم صار هو الأصل دون ما دلّ عليه إثبات القياس؟ وهذا يبيّن أنّ الأولى في ذلك