بعض المعتزلة بهذه الآية على تقدّم القدرة الفعل ؛ لأنّه أمرهم ـ عزوجل ـ بالقبول له ، والأخذ والعمل بما فيها. فلو لم يعطهم قوّة الأخذ والقبول له ـ قبل الأخذ له والفعل ـ لكان لا يأمرهم بذلك ، لأنّهم يقولون : لا قوّة لنا على ذلك ؛ فدلّ أنه قد أعطاهم قبل ذلك (م ، ت ، ١٨١ ، ٩)
ـ إنّ القوّة إذ ليست هي من أجزاء الجسم فهي عرض في الحقيقة ، والأعراض لا تبقى ؛ إذ لا يجوز بقاء ما يحتمل الفناء إلّا ببقاء هو غيره ، والعرض لا يقبل الأغيار بما لا قيام له بذاته ، ومحال بقاء الشيء ببقاء في غيره ، فبطل البقاء. ثم فساد حقيقة الأفعال بأسباب متقدّمة إذا لم تكن هي وقت الفعل ، فمثله قوة الفعل ، فيلزم القول بالكون مع الفعل (م ، ح ، ٢٦٠ ، ١٧)
ـ المعنى في وصفه بالقوّة والمتانة أنّه القادر البليغ الاقتدار على كل شيء (ز ، ك ٤ ، ٢١ ، ١٤)
قوة الدواعي
ـ اعلم ، أنّه متى صحّ أنّ النظر من فعل الناظر إذا تساوت الدواعي ، وواقع بحسب قدرته ، فكذلك يجب وإن قويت الدواعي. لأنّ قوّة الدواعي لا تغيّر حال القدرة عمّا كانت عليه ، لا من جهة الانتفاء ، ولا من جهة أن الفعل يستحيل بها. لأنّ قوة الدواعي لا تنافي القدرة ، لأنّه اعتقاد ، ومن حق الاعتقاد والظنّ أن لا ينافيا القدرة. وقد علمنا أن لا يجوز ، وهي موجودة ، أن لا يصحّ الفعل بها مع ارتفاع الموانع ؛ وقوة الدواعي ليس بمانع من خلاف ما يقتضيه. فإذا كان الأمر كذلك ؛ فيجب ، إذا كان قادرا على النظر متى كانت الدواعي متساوية ، أن يكون قادرا عليه ، وإن كانت قوته تختصّ بأنّها داعية إلى النظر فقط (ق ، غ ١٢ ، ٣١٦ ، ١٥)
ـ إنّ الإلجاء لا يخرج الملجأ من أن يكون على الفعل قادرا ، وباختياره متعلّقا. لأنّ المشاهد للسبع إذا خاف على نفسه ، فهو ملجأ إلى الهرب ، وهربه يقع باختياره. لأنّه متى عرض له في الهرب طرق ، اختار سلوك أحدها ، وفعل ذلك بحسب قدرته ، لأنّه يعدو على حسب ما يقدر عليه في السرعة والإبطاء ، ويفعل السلوك بحسب علمه في قرب الطريق وبعده. فليس يخرجه الإلجاء أن يكون قادرا على ما يقع منه ، وإن صرفه من فعل إلى فعل ، كما قوي في نفسه من العلم بالمضرّة والخوف الشديد. فيجب ، إن سلك القوم في الطبع هذا المسلك ، أن يقولوا : إنّ قوة الدواعي إلى النظر ، تصرف القادر عن ترك النظر إلى النظر ، ولا يخرج هو من أن يكون واقعا باختياره وقدرته. وهذا قولنا ، فالإلجاء بأن يقوّي ما نقوله أولى. ولعلّ من تعلّق منهم به ، ظنّ أننا نوافقهم ، ونجعل الفعل عنده واقعا بالطبع ، فأراد أن يحمل ما يحصل عند الدواعي القوية عليه. وقد أخطأ في ذلك ، لأنا نسوّي بين الأمرين ، وإن جعلنا للإلجاء من الحكم ما لا نجعله من الدواعي القويّة (ق ، غ ١٢ ، ٣١٧ ، ١٣)
ـ إنّ ما يقع عند قوّة الدواعي يقع في العدد بحسب ما عهد من قدرته. فكما يجب فيما يختاره والحال هذه أن يكون من فعله ، فكذلك ما يقع عند قوّة الدواعي قهرا ؛ لأن الأمر ، كما قلناه ، كان لا يمتنع في الأعجمي الأمّي الذي لم يتعاط كتابة قطّ أن تقوى دواعيه ، فتقع منه