حكم بأنّه يدرك. وإنّما اشتبه ذلك عليه ، لمّا رأى الإنسان يعلم ، على وجه ظاهر ، حاله في كونه قاصدا ومعتقدا ، ولم يتهذّب له القول بأنّه يعلم اختصاصه بحال ، فحكم بأنّه مدرك. وما بيّناه في باب الإرادة ، يغني عن إعادته. وقد يعلم العاقل ، عند إدراك الأخبار المخصوصة ، المخبر عنه. فيكون العلم بذلك واقعا عند إدراك غيره. كما أنّ العلم ، بقصد المخاطب واعتقاده ، يقع عند إشارته وتصرّفه وخطابه (ق ، غ ١٢ ، ٦٣ ، ٣)
ـ إنّ الخبر يحصل له عند وجوده وجوه ، في تعلّقه بما يتعلّق به ، فكما لو كان خبرا عن الشيء الواحد لم يحتج إلى قصد واحد ، فكذلك إذا كان خبرا عن أشياء كثيرة ، لأنّه في الحالتين القصد يتناول نفس الخبر ، ويقع به على بعض الوجوه ، ولذلك يصحّ من المخبر أن يخبر عمّا لا نهاية له ، كما (لا) يصحّ أن يخبر عن المتناهي (ق ، غ ١٧ ، ١٩ ، ٢)
ـ إنّ ما به يصير الفعل واقعا على وجه دون وجه يجب أن يكون مقارنا ، أو في حكم المقارن ، حتى يختصّ بذلك الفعل ما يمكن من الاختصاص ، فلذلك أوجبنا في القصد أن يكون مقارنا للعموم على الوجه الذي يحصل عليه ، والذي يمكن في ذلك ، إلى أن يكون مقارنا لأول حرف منه ، على ما بيّناه في الخبر (ق ، غ ١٧ ، ٢٨ ، ٦)
ـ وبعد ، فإنّ نفس القصد يقبح وإن لم يكن مقصودا. فلا يجوز أن يقال بأنّ للقصد تأثيرا في قبح النظر ، أو قبح المعرفة. ولا يمكن أن يقال أنّ هذا القصد يؤثّر في وقوع المعرفة على وجه. ثم هي تقبح لذلك الوجه. كما نقول في القصد المتعلّق بالإخبار بالكلام على وجه الكذب ، أنّه يؤثّر في وقوع الكلام على الوجه الذي يكون كذبا. ثم إذا قبح فإنّما يقبح لوقوعه على ذلك الوجه (ن ، م ، ٣١٦ ، ٩)
ـ إنّ كل فعل ينشئه الفاعل ، وهو عالم به وبإيقاعه على صفة مخصوصة في وقت مخصوص ، فلا بدّ أن يكون قاصدا إلى إيقاعه ؛ ونفى القصد إلى إيقاع فعل ، مع العلم به ، يلزم صاحبه نفي المقصود إلى إيقاع جميع الأفعال (ج ، ش ، ١٠٢ ، ١٠)
ـ القصد مصدر بمعنى الفاعل وهو القاصد ، يقال سبيل قصد وقاصد : أي مستقيم كأنّه يقصد الوجه الذي يؤمّه السالك لا يعدل عنه ، ومعنى قوله (وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ) (النحل : ٩) أنّ هداية الطريق الموصل إلى الحق واجبة عليه كقوله ـ إنّ علينا للهدى ـ (ز ، ك ٢ ، ٤٠٢ ، ١٦)
قضاء
ـ وقال : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) (الإسراء : ٢٣) ولم يقل : وقضى ربك أن تكفروا به وتعبدوا سواه من الحجارة والنار وغيرهما من المعبودات ، فكان أمره وقضاؤه ومشيئته أن لا يعبدوا غيره بالتخيير من العباد لا من جهة الجبر لهم على تركها (ي ، ر ، ٤٢ ، ١٩)
ـ القضاء : أمر ، كما قال ، سبحانه : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) (الإسراء : ٢٣) يقول : أمر ربّك ألّا تعبدوا إلّا إيّاه (ي ، ر ، ١٠٢ ، ١٥)
ـ قضاء : خلق ، وذلك قوله : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ) (فصلت : ١٢) ، يقول : خلقهنّ في يومين. فأمّا أن يكون يقضي رب العالمين على خلقه بمعصية ، ثم يعذّبهم عليها ،