تصديقاته لما في نفس الأمر ، ويكون الترتّب على الوجه الذي ينبغي. والشرط الأخير داخل في تقييد التّصديقات بالاستلزام ، والفكر الفاسد يكون فاسدا بفوات الشّرطين أو أحدهما. ويفهم من قوله ذلك أن لا يكون التّصديقات المطابقة غير المستلزمة داخلة في الفكر الفاسد (ط ، م ، ٦٣ ، ١)
فناء
ـ إنّ الكلام في فناء الشيء : هل هو غيره أو ليس بغيره ، أو هل يحلّ فيه أو يحلّ في غيره؟ من غامض الكلام ولطيفه. وقد اختلف الناس فيه اختلافا شديدا ، فزعم قوم أنّه ليس للشيء فناء غيره ، وأنّ الله إذا أراد أن يفني شيئا أبطله لا بأن يحدث شيئا سواه. وزعم قوم أنّ الله جلّ ذكره إذا أراد أن يفني شيئا أحدث له فناء وإن ذلك الفناء قائم بالله تعالى. وزعم قوم أنّه إذا أراد الله أن يفني شيئا أحدث له معنى يحلّ فيه فيفنى في الحال الثانية من حلول ذلك المعنى فيه. وإذا فني سمّي ذلك المعنى فناء. وزعم قوم أنّ فناء الشيء يقوم في غيره. وزعم قوم أنّ الله يحدث للجسم في كل وقت بقاء يكون ذلك الجسم به باقيا ، فإذا أراد الله أن يفني ذلك الجسم لم يحدث له بقاء ففنى الجسم (خ ، ن ، ٢٣ ، ٦)
ـ من بعد فإن صحّ ما حكاه صاحب الكتاب (ابن الروندي) عن معمّر : من أنّه محال أن يفني الله جميع خلقه حتى يبقى وحده ، فقد شاركه في هذا القول كثير من الأمّة : وهم الذين يزعمون أنّ الله عزوجل إذا أخبر أنه يفعل شيئا فقول القائل بعد ذلك الخبر : " أنّ الله يقدر بعد ما أخبر بدوامهما وبقائهما وخلود أهلهما فيهما أن يفنيهما ويميت أهلهما" عندهم محال لا وجه له. فإن لزم معمرا عيب بالقول الذي حكاه عنه صاحب الكتاب فهو لازم لجميع من شاركه في قوله (خ ، ن ، ٢٣ ، ١٥)
ـ لو كانت البحار مدادا كتبت لنفدت البحار وتكسّرت الأقلام ، ولم يلحق الفناء كلمات ربي ، كما لا يلحق الفناء علم الله عزوجل ، ومن فني كلامه لحقته الآفات وجرى عليه السكوت ، فلمّا لم يجز ذلك على ربنا عزوجل صحّ أنّه لم يزل متكلما ، لأنه لو لم يكن متكلّما ، وجب السكوت والآفات ، تعالى ربنا عن قول الجهمية علوّا كبيرا (ش ، ب ، ٥٤ ، ١١)
ـ إنّ الفناء ليس بشيء ، وإنّ الأعراض كلها لا يجوز عليها البقاء ولا على شيء منها ، وإنّ الجواهر إنّما تفنى بأن لا يخلق لها بقاء في حالة كان يصحّ أن تبقى فيها (أ ، م ، ٢٣٠ ، ٨)
ـ أمّا قولنا في الفناء فإنّه (الأشعري) كان يذهب إلى أنّ الفناء ليس بمعنى وليس بشيء ، وإنّما معنى قولنا" فني" أي" عدم بعد ما كان موجودا وجاز أن لا يعدم" ، لأنّه وصف تعاقب البقاء فيجري على ما يجوز أن يبقى إذا لم يبق. وكان يقول : " كل فان معدوم وليس كل معدوم فانيا ، كما أنّ كل باق موجود وليس كل موجود باقيا. وإنّما يقال" فني" لما كان موجودا فعدم ، كما يقال" بقي" لما كان موجودا قبل الخبر عنه بذلك. وعلى هذا الأصل فإنّما يجري على الأعراض هذا الوصف على المجاز ، وإنّما يجري على الجواهر التي يصحّ أن تبقى على الحقيقة إذا لم تبق فيقال" فني" (أ ، م ، ٢٤٠ ، ١٧)
ـ قوله ـ تعالى ـ : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) (الرحمن :