كما يعلمه شرّا ، كذلك يريد الخير من أهل الخير لأهل الخير أن يكون خيرا لهم كما علمه ، وإنّه لا يصحّ أن يريد خلاف ما علم الله تعالى ، ويصحّ أن يقدر على خلاف ما علم. وتحقيق ذلك أن يكون قادرا على ما علم أنّه لا يكون. وكان يفرّق بينهما بأنّه إذا أراد كون ما علم أنّه لا يكون كان مقصّرا عن بلوغ مراده ، والتقصير عن بلوغ المراد عجز ونقص. وأمّا إذا قدر على ما علم أنّه لا يكون فليس في ذلك رجوع نقص إلى ذاته ، لأنّ انتفاء المقدور مع كون القادر قادرا عليه لا يوجب نقصا للقادر مع استحالة أن يكون ممنوعا بغيره بوجه من الوجوه. وليس كذلك انتفاء المراد ، لأنّ انتفاءه على الوجه الذي تعلّقت الإرادة بكونه دلالة على نقص لذات المريد وآفة ترجع إليه (أ ، م ، ٦٩ ، ٢١)
ـ أمّا الإرادة فهو سبحانه قادر عليها لأمرين : أحدهما أنّه مع كونه عالما بالشيء لا بدّ من أن يريده إذا لم يكن ما يفعله إرادة ، ولا يصحّ أن يوقع أفعاله على وجه دون وجه إلّا مع الإرادة ، على ما نشرحه من بعد. والثاني لأنّه قد كلّف ، والتكليف لا يصحّ إلّا بالإرادة ؛ فإذا ثبت كونه قادرا عليها فيجب كونه قادرا على الكراهة لأنّها ضدّها. ومن حقّ القادر على الشيء أن يقدر على ضدّه (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٧٣ ، ٧)
ـ لا خلاف بين المعتزلة في أنّ الإرادة من صفات الفعل. وإنّما اختلفوا فيما هي ، إلّا ما حكي عن بشر عن المعتمر أنّه قال : إنّ الإرادة من الله على وجهين : صفة ذات ، وصفة فعل. فهو لم يزل مريدا لجميع أفعاله ، وجميع طاعات عباده ، لأنّه لا يجوز عنده أن يعلم عالم صلاحا وخيرا ، ولا يريده. قال : فلما كان عالما بذلك أجمع كان مريدا له. والإرادة التي هي صفة فعل ، أو المراد بها فعل نفسه ، وهي خلق له ، وهي قبل الفعل. لأنّ الشيئين لا يكون أحدهما يصاحبه ، وهما معا. وإذا أراد به فعل عباده ، فهي الأمر به (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٣ ، ٨)
ـ قال إبراهيم النّظام : إنّ إرادة الله تعالى إنّما هي فعله ، أو أمره ، أو حكمه. قال : لأنّ الإرادة في اللغة إنّما تكون ذلك ، أو تكون ضميرا ، أو قرب الشيء من الشيء. كقوله تعالى : (جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَ) (الكهف : ٧٧). والضمير يستحيل على الله ، فيجب أن تكون إرادته ما ذكرناه. قال والمراد يسمّى إرادة في اللغة ؛ يقول القائل : جئني بإرادتي ، يعني مرادي. ويقول : أراد مني كذا ، أي أمرني به. ويقال : إنّ الله مريد لأن يقيم القيامة ، أي قد حكم بذلك (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٣ ، ١٦)
ـ المحكي عن شيخنا أبي الهذيل رحمهالله أنّ إرادة الله غير المراد ، فإرادته لما خلقه هي خلقه له ، وهي معه ، وخلق الشيء عنده غير الشيء ، وإرادته لطاعات العباد هي أمره بها (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٤ ، ٦)
ـ قالت المجبرة في الإرادة إنّها من صفات الذات ، وأنّه تعالى لم يزل مريدا لكل ما يكون من فعله وفعل غيره. وقالوا إنّ المراد بذلك أنّه ليس بآب له ، ولا مستكره عليه ، ولا مغلوب ، لأنّ من كان كذلك فلا بدّ من أن يكون مريدا. وقال ضرّار في إرادة الله تعالى إنّها على وجهين : إرادة هي المراد ، وهي خلق له ، والخلق هو المخلوق ؛ وفعل العباد هو مراد الله تعالى ، وهو إرادته ؛ وإرادته الثانية هي الأمر بالطاعة ، وهي غير الطاعة (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٤ ، ١٨)