كذلك العلّة الموجبة لحدوثه ، لأنّ تقدّمها يحيل كونها علّة ؛ ولو ثبت جواز تقدّمها للمعلول كالسبب ، لم يصحّ كونها قديمة ، لأنّ ذلك يوجب جواز تقدّمها بما لا نهاية له ، وذلك لا يصحّ في الأسباب أيضا (ق ، غ ٨ ، ٩٩ ، ١٠)
ـ إنّ القول في إيجاب السبب للمسبّب بخلاف القول في إيجاب العلّة للمعلول ، لأنّ ما توجبه العلّة لا ينفصل عنها ، فلذلك وجب القول بأن ما أحاله يحيلها ، وما صحّحه يصحّحها ، وما يوجبه السبب منفصل منه لأنّه حادث آخر ، فغير ممتنع أن يوجد والمسبّب معدوم ، وإن كان لا بدّ من وجوده قبله ليجب عنه ، ولا فرق بين من حمل السبب على العلّة في ذلك وبين من حمل القدرة على العلّة ، فكما لا يجب ذلك في القدرة من حيث كان ما يقع بها ينفصل منها فلم يمتنع فناؤها في حال الفعل وكذلك لا يمنع فناء السبب في حال المسبّب ، فإذا جاز عندنا أن يعجز الفاعل في حال وجود الفعل من حيث كان بوجوده قد خرج من أن يكون له به تعلّق ، فلو صحّ فناؤه دون سائر الأجسام لصحّ عدمه أيضا في حال وجود الفعل ، فكذلك لا يمتنع وجود المسبّب على عدم السبب لخروجه من أن يكون متعلّقا به وقد وجد (ق ، غ ٩ ، ٤٨ ، ٢٠)
ـ إنّ أهل اللغة لم يفيدوا بذكر العلّة إلّا ما له يفعل الفاعل ، أو لا يفعله : من الدواعي وغيرها. ولذلك يقول قائلهم : إنّما جئت بعلّة كذا ، وفارقتك لعلّة كيت ، فيذكر ما دعاه إلى ذلك إذا كان كالعذر فيما فعله أو لم يفعله ، (إلّا أنّهم) لا يستعملون ذلك في الأظهر إلّا في الأسباب المجوّزة لذلك دون غيرها ، فلذلك يضعون العلّة موضع العذر ، فيقولون : إنّ فلانا لا علّة له فيما يفعل ، ولا عذر له فيما صنع ، إذا كان مقدّما على قبيح ، حتى إنّهم يقولون : إن علّة فلان فيما قاله صحيحة ، وعذره فيه واضح. وعلى هذا الوجه يقول أحد الخصمين لصاحبه : لأيّة علّة قلت بهذا المذهب ، ولأيّ دليل اعتقدته ؛ من حيث كانت الأدلّة تدعو إلى اعتقاد المذهب على وجه صحيح حسن ، والشبه تدعو لا على وجه صحيح. وعلى هذا الوجه وصف الفقهاء ما يتعلّق الحكم به من الأوصاف علّة ، لأنّها عندهم سبب الحكم ، والوجه في حسن اعتقاده. واصطلاح بعض المتكلّمين في العلّة على أنّها السبب الموجب ، واصطلاح بعضهم على أنّهم التي توجب حالا لما تختصّ به من الموجدات ، ليس بجار على طريقة اللغة ، وإنّما اصطلحوا عليه لأغراض لهم فيه ؛ كما اصطلحوا في الترك والمتروك على شرائط لا تفيدها اللغة ، وذلك يؤثّر فيما قدّمناه. وكل اسم جرى من المتكلّم على جهة الاصطلاح فإنّه لا يحرّم استعمالها في اللغة على ما كانت عليه. ويفارق الأسماء الشرعيّة في هذا الباب ؛ لأنّها تتضمّن الحكم بوجوب استعمالها فيما وضعت له شرعا ، وذلك بنقلها عن بابها ، وليس كذلك ما فعله فريق من الناس بالاصطلاح ؛ لأنّ ذلك بمنزلة تعارف مخصوص من فرقة في بعض الألفاظ ، في أنّه لا ينقلها عن بابها في اللغة ، فلذلك قلنا : إنّ اللغوي يصحّ له أن يستعمل لفظة الجوهر والعرض فيما وضع له في اللغة ، وإن جعلناه بالاصطلاح لما نذهب إليه في حدّ الجوهر والعرض ، ولا يمتنع في الاسم إذا وقع الاصطلاح عليه في شيء مخصوص أن يستعمل على غير ذلك الوجه على طريقه في