الصدقات التي تجتمع عند الإمام فيجعل ذلك رزقا للأصناف الذين ذكرهم الله تعالى ، وإنّما يصير الواحد به أحقّ من غيره عند عطيّة الإمام أو من يلي من قبله. وكذلك القول في الغنائم التي تجتمع عند الإمام لأنّه لو لم يتولّ قسمتها فيهم لم يكن بعضهم أحقّ بشيء منه من غيره وإن جعلت أرزاقا للغانمين على الإطلاق (ق ، ت ٢ ، ٤٢٠ ، ١)
ـ لعلمنا بأنّ ما لا مدخل له في الانتفاع أصلا لا يجعل رزقا لأحد. وما يصحّ الانتفاع به على وجه ما يصحّ أن يجعل رزقا على أحد الوجهين من التعيين والإطلاق. وعلى ذلك لم يصحّ أن نجعل الطعام الذي لا يتأتّى انتفاع البهائم بها أرزاقا لها. وكذلك فلا نجعل الميتات والدم أو السموم وما يجري مجراها أرزاقا لنا ، إمّا لأن ذلك الشيء ممّا لا يصلح لانتفاعنا به أو إن صلح لذلك فنحن ممنوعون من هذا الضرب من الانتفاع. وعلى هذه الجملة لم يصحّ في الحرام أن نجعله رزقا للغاصب ، على ما نبيّنه من بعد (ق ، ت ٢ ، ٤٢١ ، ٩)
ـ اعلم أنّ الرزق من الله تعالى دون العباد ، لأنّ إضافته إليه أقوى وآكد من إضافته إلى غيره. ألا ترى أنّ الرزق إذا كان معناه ما ينتفع به على ما بيّناه فمعلوم أنّ نفس الشيء المنتفع به من طعام وغيره لا يكون إلّا من خلقه تعالى ، وثبوت استباحته إنّما هو بما قد تقرّر في عقولنا من حسن الانتفاع بما لا ضرر فيه على أحد؟ وإذا دخل في كونه مملوكا لنا فإنّما يحصل كذلك لوجوه جعلها الله تعالى أسباب للتمليك ، على ما نفصّله من بعد. فإذا كان كذلك صحّت الإضافة إليه من هذه الجهة. وبعد فإنّا نعلم أنّ المرء قد يجتهد فلا يرزق ، وقد يرزق عفوا من دون تكليف مشقّة ويرزق من حيث لا يحتسب ويدخل الشيء في ملكه من دون اختياره ، كما نقول في المواريث. فثبت وجوب إضافة الرزق إلى الله تعالى (ق ، ت ٢ ، ٤٢٥ ، ٢)
ـ فقد صار الرزق منقسما إلى وجهين. أحدهما يكون إحسانا من الله تعالى وتفضّلا ، فما هذا حاله ليس يجب. وربّما كان مما يعلم اختيار العبد عنده الطاعة أو التحرّز من القبيح ، فذلك هو اللطف الواجب (ق ، ت ٢ ، ٤٣١ ، ٤)
ـ اعلم أنّ الرزق لا بدّ من أن يكون مضافا أو في حكم المضاف ؛ لأنّه لا بدّ من كونه رزقا للغير ، وهو في بابه كالملك ، فإذا أضيف إلى جملة العباد فالمراد به أنّ لهم أن ينتفعوا به من غير تخصيص. وعلى هذا الوجه يقال في الأمور المباحة كالماء والكلأ والصيد وما يتناول من البحر : إنّه رزق للكلّ ، لأنّ أحدا لم يستبدّ به ، فمن سبق إليه صحّ منه الانتفاع به وحسن. وفارق حاله ما قد اختصّ به بعض العباد ، لأنّه يحرم على الغير تناوله إلّا بإذن أو ما يجري مجراه (ق ، غ ١١ ، ٢٧ ، ٤)
ـ ولما قدّمناه في حدّ الرزق قلنا : إنّه تعالى لا يوصف بأنّه مرزوق ، وإنّ الشيء رزق له ، لاستحالة الانتفاع عليه ، وإنّما يوصف بذلك من يصحّ أن ينتفع. ولذلك صحّ أن يوصف تعالى بأنّه مالك لمّا لم يقتض ذلك صحّة الانتفاع بالشيء على الحدّ الذي اقتضاه الرزق ، ولذلك قد يوصف ما لا يملكه الإنسان بأنّه رزقه إذا أبيح له تناوله والانتفاع به ، وإن كان قبل التناول غير مالك له ؛ كالأمور المباحة ، وكبذل الطعام للغير ، إلى ما شاكله (ق ، غ ١١ ، ٢٨ ، ٨)
ـ الذي قدّمناه في حدّ الرزق هو أولى ؛ لأنّه إذا