حسن تكليف المؤمن الذي يكفر
ـ في الدلالة على أنّه يحسن منه تعالى تكليف المؤمن وتبقيته في المستقبل وإن علم أنّه يكفر. اعلم أنّ شيوخنا رحمهمالله متّفقون على حسن ذلك. وما بيّناه ؛ من حسن تكليف من يعلم أنّه يكفر ابتداء يدلّ على أنّه يحسن تبقية التكليف على من يعلم أنه يكفر بعد إيمان ؛ لأنّه قد عرّض لمنفعة لا ينالها إلّا به. فيجب حسن تكليفه ، وإن أساء اختيار نفسه في ترك الإيمان (ق ، غ ١١ ، ٢٤٩ ، ١٥)
حسن تكليف من يعلم أنه يكفر
ـ قال شيوخنا رحمهمالله : لو كلّف تعالى من المعلوم أنّه يؤمن ، لقبح ذلك إذا علم أنّ غيره من المكلّفين يفسد عنده ، ولا يخرج القديم تعالى لو كلّفه من أن يكون معرّضا له للثواب وأن يستحقّ هو الثواب بفعل الطاعة. ولذلك يشترط في التعريض أنّه إنّما يحسن متى كان تعريضا لمنافع يحسن من المعرّض أن يتوصّل إليها ؛ لأنّ تعريض الشيء في حكمه متى انتفى وجوه القبح عنه. ويجري التعريض مجرى الإرادة التي متى تعلّقت بالحسن كانت حسنة ، متى خلت من وجوه القبح. وإن كنّا قد بيّنا في باب الإرادة أنّها متى أثّرت في المراد ، وصار بها على وجه يحسن لوقوعه عليه ، فيجب ألا يحسن لا محالة. فلا يمتنع أن يقال في الإرادة التي هي تعريض المكلّف للوصول إلى الثواب إنّها بهذه الصفة ، وإنّها إنّما تقبح متى عرض في الفعل المراد ما يقتضي قبحه : من كونه مفسدة وما شاكل ذلك. وهذه الجملة ، تقتضي أنّه تعالى إنّما يكون مكلّفا بالإرادة ، والأمر دون إكمال العقل وما شاكله. ولذلك يصحّ منه تعالى أن يكره منه فعل الطاعة ، وإن أكمل عقله. ولا يجوز أن يكون مكلّفا له الفعل ، مع كراهته له ، وزجره عنه ؛ كما لا يكون الواحد منّا مكلّفا غيره إلّا بأن يريد ذلك منه ، ويأمره به ، أو يفعل ما يجري هذا المجرى. ولم نتقصّ هذا الكلام لأنّ ما نريد بيانه من حسن تكليف من يعلم أنّه يكفر لا يتمّ إلّا به (ق ، غ ١١ ، ١٧٨ ، ١٩)
ـ في بيان حسن تكليف من يعلم الله تعالى أنّه يكفر أو يفسق ، وأنّ علمه بذلك من حاله لا يوجب قبحه : اعلم أنّ التعريض للشيء في حكمه ، فمتى حسن من الواحد التوصّل إلى أمر حسن من غيره أن يعرّضه له وقد علمنا (أنّه) يحسن منه التوصّل إلى استحقاق الثواب بفعل الواجب وغيره ، فيجب أن يحسن منه تعالى أن يجعله بحيث يمكنه التوصّل إلى ذلك ، ويريد منه ذلك. ولذلك لمّا قبح من أحدنا أن يتوصّل إلى مضارّه ، قبح من غيره أن يعرّضه له ، وهذا بيّن في الشاهد ؛ لأنّ للمنافع طرقا وللمضارّ كمثل. وقد علمنا أنّ التعريض لكل واحد منهما بمنزلته في الحسن والقبح فيجب أن يحسن منه تعالى تكليف من يعلم من حاله أنّه يكفر ؛ لأنّ علمه بذلك لا يخرجه من كونه معرّضا له للمنازل السنيّة التي لا ينالها إلّا بفعل ما كلّفه. وقد دللنا على أنّ منزلة الثواب لا تنال تفضّلا ؛ فإنّ ذلك يقبح منه تعالى لو فعله في القدر والصفة جميعا ، وبيّنا أنّ التكليف لا بدّ من أن يؤدّي إلى الثواب ، وإلّا قبح منه تعالى إلزام الأمور الشاقّة ، فحصل من هذه الجملة أنّ تكليف من يعلم أنّه يكفر تعريض له لمنزلة عظيمة ، لا ينالها إلّا به ؛ فيجب القضاء بحسنه إذا انتفت وجوه القبح عنه (ق ، غ ١١ ، ١٨٣ ، ٢)