حال الفعل ، أو صحّة كونه لطفا وداعيا. ولسنا نجد في ذلك حالا ؛ لأنّ ضبط ذلك يتعذّر على المكلّف ؛ لأنّه لا يتمكّن من معرفة الأوقات جزءا جزءا على التفصيل ، وإنّما نطلق القول فنقول : يجب تقدّمه بوقت واحد ، نريد به الإبانة عن وجوب تقدّمه من غير قصد منّا إلى كلّ الأوقات في ذلك. وأمّا تقدّمه الأوقات الكثيرة فإنّما يحسن إذا حصل فيه معنى زائد ؛ على ما ذكرناه ، ونعلم أنّ ذلك المعنى كان لا يحصل لو لا تقدّمه ، فيحسن لأجل ذلك. وهذا نحو أن يعلم ـ تعالى ـ أن تقدّم الأمر مصلحة لقوم يتحمّلونه ويؤدّونه إلى المخاطب في المستقبل ، فيحسن لأجل ذلك تقدّمه (ق ، غ ١١ ، ٣٠٤ ، ٢)
حسن التكليف
ـ قد بيّنا من قبل أنّه ـ تعالى ـ إذا ثبت كونه حكيما ، فلو لم يكن له بالتكليف غرض لقبح ، وإذا لم يجز أن يكون غرضه المنافع العائدة عليه لاستحالتها عليها ثبت أنّه يجب أن يكون غرضه منفعة المكلّف. ولا يجوز أن يريد بالتكليف المنفعة التي لا تستحقّ به ولا تحصل. فيجب أن يكون الغرض وصوله بفعل ما كلّف إلى ما يستحقّ به من الثواب. وقد ثبت أنّ الثواب لا يحسن إلّا مستحقّا. فيجب أن يحسن منه ـ تعالى ـ أن يكلّف الشاقّ لأجله. وهذه الجملة توجب أنّه ـ تعالى ـ يجب أن يكون عالما بأنّه سيحصل للمكلّف ما معه يتمكّن من فعل ما كلّف ، وأنّه يعلم أنّه سيحصل له إذا هو أدّى ما كلّف ما هو الغرض من الثواب. فلذلك جعلنا ذلك شرطا في حسن التكليف (ق ، غ ١١ ، ٤١٠ ، ٧)
ـ أمّا الأمر الذي يتعلّق وجوده بوجود سببه ، فإنّما يجب أن يعلم المكلّف سببه ويفصل بينه وبين غيره ، فعند ذلك يمكنه إيجاد المسبّب على الوجه الذي وجب ، كما لو علم المسبّب وصحّ ذلك فيه لأمكنه إيجاده على هذا الحدّ. فما هذا حاله ، إنّما يجب أن يعلم المسبّب ويميّزه من غيره ليصل بإيجاده إلى إيجاد المسبّب على الوجه الذي وجب. ووجود علمه بالمسبّب كعدمه في أنّه على كلا الحالين يمكنه أن يؤدّيه على حدّ واحد ، وإذا كان الحال فيه ما ذكرنا ، فسواء علمه أو لم يعلمه في أنّ ذلك لا يؤثّر في صحّة وجود المسبّب عليه ، وحسن تكليفه تعالى إيّاه. فإنّما يقدح في ذلك أن لا يعرف السبب أو لا يتمكّن من معرفته ، فأمّا إذا علمه بعينه وميّزه من غيره فإنّه يمكنه التوصّل بفعله إلى إيجاد المسبّب فلا وجه لاشتراط المعرفة بالمسبّب وهذا حاله (ق ، غ ١٢ ، ٢٣٧ ، ١)
ـ قد بيّنا أنّ العلم بسبب المعرفة يغني في حسن تكليف الله ، تعالى ، له وللمعرفة ، عن العلم بنفس المعرفة ؛ من حيث بيّنا أنّه لا فرق بين أن يعلم نفس الفعل فيقصد إليه ، وبين أن يعلم ما بوجوده يوجد الفعل لا محالة في أنّ في الحالتين يتمكّن من أداء ما لزمه على الحدّ الذي لزمه. وإن كان الأمر كذلك ، وكان ما قلناه لا يقدح في صحّة هذا الوجه ، فتجب سلامة ما ذكرناه. وليس كذلك سائر الأفعال ، لأنّ المكلّف لو لم يعرفها من قبل على جملة أو تفصيل لقدح ذلك في ثبوت شرائط التكليف فيه ، ولصار بحيث لا يتمكّن من أداء ما لزمه على الحدّ الذي لزمه. فلذلك قلنا فيها : إنّ الواجب عليه أن يعرفه قبل الوقت الذي كلّف الفعل عليه ، وفصلنا بينها وبين النظر والمعرفة (ق ، غ ١٢ ، ٢٤٠ ، ٢٠)