والثالث أن لا يكون له في فعله ، ولا في تركه غرض ، وهذا الانقسام ثابت في العقل. فالذي يوافق الفاعل يسمّى حسنا في حقّه ، ولا معنى لحسنه إلّا موافقته لغرضه ، والذي ينافي غرضه يسمّى قبيحا ، ولا معنى لقبحه إلّا منافاته لغرضه ؛ والذي لا ينافي ولا يوافق يسمّى عبثا أي لا فائدة فيه أصلا ، وفاعل العبث يسمّى عابثا ، وربّما يسمّى سفيها (غ ، ق ، ١٦٣ ، ١)
ـ إنّ الاصطلاح في لفظ الحسن أيضا ثلاثة : فقائل يطلقه على كل ما يوافق الغرض عاجلا كان ، أو آجلا. وقائل يخصّص بما يوافق الغرض في الآخرة ، وهو الذي حسّنه الشرع أي حثّ عليه ، ووعد بالثواب عليه ، وهو اصطلاح أصحابنا ... وفيه اصطلاح ثالث : إذ قد يقال فعل الله تعالى حسن كيف ما كان. مع أنّه لا غرض في حقّه. ويكون معناه أنّه لا تبعة عليه فيه ، ولا لائمة ، وأنّه فاعل في ملكه الذي لا يساهم فيه (غ ، ق ، ١٦٥ ، ٣)
ـ اتّفقوا (المعتزلة) على أنّ أصول المعرفة ، وشكر النعمة واجبة قبل ورود السمع. والحسن والقبح يجب معرفتهما بالعقل. واعتناق الحسن ، واجتناب القبيح واجب كذلك. وورود التكاليف ألطاف للباري تعالى ، أرسلها إلى العباد بتوسّط الأنبياء عليهمالسلام امتحانا واختبارا (ش ، م ١ ، ٤٥ ، ١٨)
ـ مذهب أهل الحق أنّ العقل لا يدلّ على حسن الشيء وقبحه في حكم التكليف من الله شرعا على معنى أنّ أفعال العباد ليست على صفات نفسية حسنا وقبحا بحيث لو أقدم عليها مقدم أو أحجم عنها محجم استوجب على الله ثوابا أو عقابا ، وقد يحسن الشيء شرعا ويقبح مثله المساوي له في جميع الصفات النفسيّة ، فمعنى الحسن ما ورد الشرع بالثناء على فاعله ، ومعنى القبيح ما ورد الشرع بذمّ فاعله (ش ، ن ، ٣٧٠ ، ٩)
ـ الثنوية والتناسخيّة والبراهمة والخوارج والكراميّة والمعتزلة فصاروا إلى أنّ العقل يستدلّ به حسن الأفعال وقبحها ، على معنى أنّه يجب على الله الثواب والثناء على الفعل الحسن ، ويجب عليه الملام والعقاب على الفعل القبيح ، والأفعال على صفة نفسيّة من الحسن والقبيح ، وإذا ورد الشرع بها كان مخبرا عنها لا مثبتا لها (ش ، ن ، ٣٧١ ، ٤)
ـ إنّ الصدق والكذب على حقيقة ذاتيّة لا تتحقّق ذاتهما إلّا بأن كان تلك الحقيقة ، مثلا كما يقال إنّ الصدق إخبار عن أمر على ما هو به ، والكذب إخبار عن أمر على خلاف ما هو به ، ونحن نعلم أنّ من أدرك هذه الحقيقة عرف التحقّق ولم يخطر بباله كونه حسنا أو قبيحا ، فلم يدخل الحسن والقبيح إذا في صفاتهما الذاتيّة التي تحقّقت حقيقتهما ولا لزمتهما في الوهم بالبديهة كما بيّنا ، ولا لزمها في الوجود ضرورة ، فإنّ من الأخبار الصادقة ما يلام عليها كالدلالة على نبيّ هرب من ظالم. ومن الأخبار التي هي كاذبة ما يثاب عليها مثل إنكار الدلالة عليه ، فلم يدخل كون الكذب قبيحا أن يعدّ من الصفات الذاتيّة التي تلزم النفس وجودا وعدما عندهم ، ولا يجوز أن يعدّ من الصفات التابعة للحدوث ، فلا يعقل بالبديهة ولا بالنظر (ش ، ن ، ٣٧٢ ، ١٢)
ـ الحسن والقبيح بمعنى الملائمة والكمال وضدّيهما عقليّان اتّفاقا ، وبمعنى إيجاب الثواب والعقاب شرعيّان خلافا للمعتزلة. لنا وجوه : أ : لو قبح تكليف ما لا يطاق ، فما فعله