ظاهره الحكم والتسمية ، في أكثر الاستعمال. ولذلك لا يجوز أن يقول القائل : جعلت النجم والرجل ، ويسكت حتى يصله بقوله : جعلت النجم هاديا ودليلا ، وجعلت الرجل صديقا وصاحبا. فلما قال الله تعالى : (إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) (الزخرف : ٣) تعدّى إلى مفعولين ، فيكون بمعنى الحكم والتسمية (ب ، ن ، ٧٦ ، ١٦)
ـ قوله (تعالى) : (وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً) (الحديد : ٢٧) ، فقد قال شيخنا أبو علي رحمهالله إنّ الجعل قد يكون بغير معنى الخلق نحو قوله تعالى : (وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً) (المائدة : ١٣) ، لأنّه ذمّهم بذلك ، فليس المراد أنّه خلقها قاسية ، ونحو قوله : (إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ) (ص : ٢٦) ، لأنّ الله لم يخلقه خليفة وإنّما صار خليفة بأمور وجدت بعد خلقه ، فمعنى قوله جعل في قلوبهم الإيمان أنّه حكم بذلك ، وقوله (وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا) (الحشر : ١٠) أي لا تحكم علينا بذلك ، وهذا نظير قوله : (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) (الفرقان : ٢٣) ، أي أنّا صيّرناه بحيث لم ينتفعوا به كما لا ينتفعون بالهباء ، لا أنّه خلقه هباء (ق ، غ ٨ ، ٣١٢ ، ٢)
ـ " جعل" يتعدى إلى مفعول واحد إذا كان بمعنى أحدث وأنشأ كقوله (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) (الأنعام : ١) وإلى مفعولين إذا كان بمعنى صير كقوله (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) (الزخرف : ١٩) والفرق بين الخلق والجعل أنّ الخلق فيه معنى التقدير وفي الجعل معنى التضمين ، كإنشاء شيء من شيء أي تصيير شيء شيئا أو نقله من مكان إلى مكان (ز ، ك ٢ ، ٣ ، ١٢)
ـ المراد بقوله (إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) (الزخرف : ٣) أي سمّيناه ؛ فإنّ الجعل قد يطلق بمعنى التسمية (م ، غ ، ١٠٩ ، ١٠)
جمع
ـ أمّا جمع من سوى الله بين النار والماء والتراب والهواء فذلك دليل أيضا على حدثها ، غير أنّ محدثها ليس هو الإنسان الذي جمعهما ، لأنّ الإنسان يجري عليه من القهر ما يجري عليهما. فمخترع هذه الأشياء ومخترع الإنسان المشبه لها هو الله الذي لا يشبهه شيء و (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (الشورى : ١١) (خ ، ن ، ٤١ ، ٢)
جمع المتفرقات
ـ الجمع بين المتفرّقات ، فلقد بعد عن التوفيق من صنّف كتابا في جمع هذه الأخبار خاصة ورسم في كل عضو بابا فقال : باب في إثبات الرأس ، وباب في إثبات اليد إلى غير ذلك ، فإنّ هذه كلمات متفرّقة صدرت من رسول الله عليهالسلام في أوقات متفرّقة متباعدة اعتمادا على قوانين مختلفة تفهم السامعين معاني صحيحة. فإذا ذكرت مجموعة على مثال خلق الإنسان ، صار جمع تلك المتفرّقات في السمع دفعة واحدة قرينة عظيمة في تأكيد الظاهر وإيهام التشبيه ، وصار الإشكال في أنّ الرسول عليهالسلام لم ينطق بما يوهم خلاف الحقّ ، أعظم في النفس وأوقع ، بل الكلمة الواحدة يتطرّق إليها الاحتمال. فإذا اتّصل به ثانية وثالثة ورابعة من جنسها ، صدر متواليا ضعف الاحتمال بالإضافة إلى الجملة ، ولذلك يحصل من الظنّ بقول مخبرين وثلاثة ما لا يحصل بقول الواحد ، بل يحصل من العلم