ـ إنّ لله أسماء ذاتيّة يسمّى بها نحو قوله الرحمن ، وصفات ذاتيّة بها يوصف نحو العلم بالأشياء والقدرة عليها ، لكنّ الوصف له منّا ، والاسم إنّما هو بما يحتمله وسعنا وتبلغه عبارتنا بالضرورة ... فيدلّك أنّ الأسماء التي نسمّيه بها عبارات عمّا يقرّب إلى الأفهام ، لا أنّها في الحقيقة أسماؤه. ولما تأخذ القلوب منها معاني يتعالى عنها قرن بالتسمية حرف نفي ، فجعل التوحيد إثبات ذات في ضمن نفي ، ونفيا في ضمن إثبات على ما فسرت ، وبالله التوفيق (م ، ح ، ٩٤ ، ٢)
ـ التوحيد معرفة الله تعالى بالوحدانيّة ، ومحلّه السر وهو داخل الفؤاد وهذا معنى قوله تعالى (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ) (النور : ٣٥) الآية جعل الله الصدر بمنزلة المشكاة ، والقلب بمنزلة الزجاجة ، والفؤاد بمنزلة المصباح ، والسر بمنزلة الشجرة ، وداخل السر موضع يقال له خفي وهو موضع نور الهداية (م ، ف ، ٦ ، ١٥)
ـ التوحيد له (لله) هو : الإقرار بأنّه ثابت موجود ، وإله واحد فرد معبود ، ليس كمثله شيء ؛ على ما قرر به قوله تعالى : (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) (البقرة : ١٦٣) وقوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى : ١١) (ب ، ن ، ٢٣ ، ٣)
ـ اعلم أنّ إحدى قواعد الأصول في التوحيد عنده إثبات جملة الحوادث منتسبة إلى قدرة واحد أحدثها من العدم إلى الوجود ، وأنّ خلاف ذلك نوع من الإشراك بالله تعالى. وكان يقول إنّ إحداث الفعل دلالة على قدرة محدثه ، وإحكامه دلالة على علمه ، وكونه على بعض الوجوه دون بعض دلالة على إرادته (أ ، م ، ٣٨ ، ٨)
ـ ثم ينظر في أنّه (الله) لو كان معه ثان لتمانعا ، وهذا يؤدي إلى الضعف الذي لا يجوز إلّا على الأجسام ، فيحصل له العلم بأنّه واحد لا ثاني له يشاركه في القدم والإلهيّة ، فيكون قد حصل له العلم بكمال التوحيد (ق ، ش ، ٦٦ ، ١١)
ـ إنّ التوحيد في أصل اللغة عبارة عمّا به يصير الشيء واحدا ، كما أنّ التحريك عبارة عما به يصير الشيء متحرّكا ، والتسويد عبارة عما به يصير الشيء أسود. ثم يستعمل في الخبر عن كون الشيء واحدا لمّا لم يكن الخبر صدقا إلّا وهو واحد ، فصار ذلك كالإثبات ، فإنّه في أصل اللغة عبارة عن الإيجاب ، يقال أثبت لهم في القرطاس ، أي أوجدته فيه. ثم يستعمل في الخبر عن وجود الشيء ، فيقال إنّ فلانا يثبت الأعراض أي يخبر عن وجودها ، لمّا لم يكن الخبر عنها صدقا إلّا وهي موجودة. فأمّا في اصطلاح المتكلّمين ، فهو العلم بأنّ الله تعالى واحد لا يشاركه غيره فيما يستحقّ من الصفات نفيا وإثباتا على الحدّ الذي يستحقّه والإقرار به. ولا بدّ من اعتبار هذين الشرطين : العلم ، والإقرار جميعا. لأنّه لو علم ولم يقرّ ، أو أقرّ ولم يعلم ، لم يكن موحّدا (ق ، ش ، ١٢٨ ، ٢)
ـ إنّ الغرض بالتوحيد هو تفرّده عزوجل بصفات لا ثاني له في استحقاقها؟ ولكن لا يتمّ هذا دون العلم بحدوث الأجسام وحاجتها إلى محدث وإثباته جلّ وعزّ محدثا لها دون غيره. ثم بيان الصفات التي تثبت له لذاته وما يستحيل عليه فيجب أن نعرف هذه الجملة أولا. وإذا ثبتت فقد عرف التوحيد (ق ، ت ١ ، ١١ ، ٩)
ـ قال شيخنا أبو هاشم رحمهالله : إنّ التوحيد هو ما يصير به الواحد واحدا ، كما أن التحريك هو