حيّا ؛ إذ الحياة شرط هذه الصفات على ما عرف في الشاهد أيضا ، وما كان له في وجوده أو في عدمه شرط ، لا يختلف شاهدا ولا غائبا. ويلزم من كونه حيّا أن يكون سميعا بصيرا متكلّما ؛ فإن من لم تثبت له هذه الصفات من الأشياء ، فإنّه لا محالة متّصف بأضدادها كالعمى والطرش والخرس ، على ما عرف في الشاهد أيضا ، والباري ـ تعالى ـ يتقدّس عن أن يتّصف بما يوجب في ذاته نقصا. قالوا (أهل الإثبات) : فإذا ثبتت هذه الأحكام ، فهي ـ لا محالة ـ في الشاهد معلّلة بالصفات ، فالعلم علّة كون العالم عالما ، والقدرة علّة كون القادر قادرا ، إلى غير ذلك من الصفات ، والعلّة لا تختلف شاهدا ولا غائبا أيضا. واعلم أنّ هذا المسلك ضعيف جدّا ؛ فإنّ حاصله يرجع إلى الاستقراء في الشاهد ، والحكم على الغائب بما حكم به على الشاهد ، وذلك فاسد (م ، غ ، ٤٥ ، ١٥)
استنباط
ـ قد ذكر بعض من ينسب إلى البغداديين أنّ الاستدلال والاستنباط هو ضمّ معلوم إلى معلوم لتنتج البديهة منهما معلوما (ن ، م ، ٣٤٥ ، ١٢)
استواء
ـ قال بعض الناس : الاستواء القعود والتمكّن (ش ، ق ، ٢١١ ، ١٥)
ـ إن قال قائل : ما تقولون في الاستواء؟ قيل له : نقول إنّ الله عزوجل يستوي على عرشه كما قال : يليق به من غير طول الاستقرار ، كما قال : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (طه : ٥) (ش ، ب ، ٨٥ ، ٣)
ـ قال قائلون ـ من المعتزلة والجهمية والحروريّة ـ إنّ قول الله عزوجل : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (طه : ٥) أنّه استولى وملك وقهر ، وأن الله عزوجل في كل مكان ، وجحدوا أن يكون الله عزوجل على عرشه ـ كما قال أهل الحق ـ وذهبوا في الاستواء إلى القدرة (ش ، ب ، ٨٦ ، ١٦)
ـ الاستواء قيل فيه بأوجه ثلاثة : أحدها الاستيلاء ، كما يقال : استوى فلان على كورة كذا بمعنى استولى عليها ، والثاني العلوّ والارتفاع كقوله : (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ) (المؤمنون : ٢٨) ، والثالث التمام كقوله تعالى : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى) (القصص : ١٤) ، وقد قيل بالقصد ، إلى ذلك وجّه بعض أهل الأدب قوله : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) (فصلت : ١١) بمعنى خلق على التمثيل بفعل الخلق فيما يتلو فعلهم أن يكون بالقصد ، وإن كان لا يقال : له قصد ، ولا قوة إلّا بالله (م ، ح ، ٧٢ ، ٥)
ـ معنى الاستواء استواء المملكة ، لأنّ كل شيء مقدور العرش ، والعرش مقدور الرب ، وهذا كما يقال فلان استوى على سريره ومدّ عليه رجليه ، يعنون بذلك استواء أمور الولاية له ، وانقطاع المنازعة في الإمارة عنه. وتأويل آخر وهو معنى الاستواء خلقه على عرشه كما قال تعالى : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) (الأعراف : ٥٤) أي استوى فعل التخليق على عرشه (م ، ف ، ١٤ ، ١٧)
ـ فإن قيل أليس قد قال : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (طه : ٥). قلنا : بلى. قد قال ذلك ، ونحن نطلق ذلك وأمثاله على ما جاء في