لحاظ العقل. والوجود الحقّ القائم بذاته ليس يحمل عليه الوجود المطلق المنتزع على أنّه هو بعينه أو هو من ذاتيّاته. وليس هو يرتسم فى العقل فينتزع منه الوجود المطلق ويعرضه فى لحاظ الذّهن ، فقد تعرّفت أنّ هذه وظيفة الطبائع الإمكانيّة.
بل العقل يحكم بالبرهان : أنّ فى الأعيان حقيقة متقرّرة بنفس الذّات ، والمتقرّر بنفس الذّات هو بنفس حقيقته مصداق حمل الموجود عليه ومطابق انتزاع الموجوديّة منه ، لا باقتضاء حقيقة ذلك ، كما أنّ الحقيقة المتقرّرة من الجاعل بنفس ماهيّتها المتقرّرة من الجاعل مصداق الحمل ومطابق الانتزاع ، لا باستيناف تأثير من الجاعل أو باقتضاء من الماهيّة المجهولة ، وأنّ للعقل سبيلا فى الماهيّات المجعولة إلى لحاظ الحقيقة المتقرّرة وانتزاع الموجوديّة منها.
ولا سبيل له إلى ذلك فى الحقيقة المتقرّرة بنفس الذّات. بل إنّما شرعة العقل أن يلقى سمعه الملكوتىّ ، فيستمع : أنّ البرهان ينطق بلسانه القدسىّ النّورىّ : إنّ لى على وله شدّة الدّهش وشدّة خطر الرّعب سبيلا إلى صقع لحاظ القدّوس الحقّ المتقرّر بنفس حقيقته وانتزاع الموجوديّة من نفس ذاته بذاته. فما يقال : إنّه اللاّحظ والمنتزع بالإضافة إلى ذلك الجناب هو البرهان ، لا العقل.
فإذن ، ليس الوجود الحقّ من أفراد شيء ممّا فى حيازة العقل وحوزة معقولاته المتأصّلة الحقيقيّة. فما ظنّك بجنابه المقدّس بالقياس إلى الوجود الحقّ المطلق الّذي هو من الطّبائع المصدريّة الانتزاعيّة.
ثمّ عساك أن تتعرّف الحقّ بما حقّقت لك ؛ فقد ميّزت بما حكمت لوازم الماهيّة عن المعقولات الثّانية ؛ فإنّ هناك اقتضاء من الماهيّة يقوم مقام التّأصّل. كما أنّ كون الانتزاع بحسب خصوص نحو الوجود العينىّ فى الفوقيّة والعمى يقوم مقام العينيّة. وأوضحت : أنّ المعقولات الثّانية بهذا الوجه العامّ لا يلزمها أن لا يقع إلاّ فى العقود الذّهنيّة ؛ إذ ربما يكون مطابق الحكم والمحكىّ عنه بها نفس الحقيقة المتقرّرة بما هى متقرّرة فى نفسها ، لا بما هى معقولة وموجودة فى الذّهن بخصوصه ، كما فى مطلق الوجود والشّيئيّة والإمكان والوجوب وأشباهها وإن كان