والتّدليس هو سبيل تقويم الحكمة اليمانية البهيجة والفلسفة الدّينيّة
النّضيجة. واللّه يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم.
<٥> تنبيه
إنّ مثير فتنة
التّشكيك ـ حيث لم يستطع إلى تعرّف الأمر فى وعاء الدّهر وعرش السّرمد سبيلا ـ
توهّم فى المباحث المشرقيّة : أنّ المعيّة بالدّهر والمعيّة بالسّرمد نوعان
متباينان ، فيلزم أن يكون بإزائهما فى السّبق الّذي يجب أن لا يجامع بحسبه المسبوق
السّابق نوعان أيضا متباينان ، فيكون ذلك السّبق مشتركا بين أنواع ثلاثة ، هى
السّبق بالزّمان والسّبق بالدّهر والسّبق بالسّرمد. ويحصل للسبق نوع آخر وراء
الأنواع السّبعة.
وكأنّك ، بما
علّمناك فى الفصول السّابقة ، متنبّه بأنّ المعيّة المباينة للمعيّة الزّمانيّة هى
الّتي تكون بحسب الاقتران فى صرف الوجود والحصول فى وعاء الدّهر ، لا بحسب اتفاق
وجود المعين فى زمان ما أو آن ما بعينه. فهذا هو مناط كون المعيّة نحوا آخر وراء
المعيّة الزّمانيّة ، لكونها بحيث لا يعقل فيها الامتداد ولا اللاّامتداد بخلاف
المعيّة الزّمانيّة.
فأمّا كون تلك
المعيّة بالدّهر أو بالسّرمد فليس فيه استيجاب تكثير المعيّة وتحصيل الاختلاف فيها
، فقد كنت دريت أنّ وعاء الدّهر وعرش السّرمد متشاركان فى أنّه لا يعقل هناك
امتداد أو لا امتداد فى نفس الكون والنّسبة ؛ وإنّما الانفصال بأنّه يعقل فى
الدّهر امتداد أو مقابله فى أحد المنتسبين فقط ، ولا كذلك فى السّرمد.
فإذن ، المعيّة
بالدّهر والمعيّة بالسّرمد ليس فيهما اختلاف بحسب نفس المعيّة ، بل إنّما بحسب نفس
المعين فقط. فالمعان بالمعيّة السّرمديّة متقدّمان جميعا عن الامتداد واللاّامتداد
، والمعان بالمعيّة الدّهريّة قد يكون أحدهما فى نفسه هويّة امتداديّة أو هويّة لا
امتداديّة ، فلا يكون هناك نحوان من المعيّة بتّة.
وحيث كانت
المعيّة الزّمانيّة يعقل فيها الامتداد واللاّامتداد بحسب نفس المعيّة