والمدّة الحادثة بجملتها فى وعاء الدّهر مرّة واحدة معا. ولو شاء اللّه لجمعهم على الهدى ، فلا تكوننّ من الجاهلين.
<٤> تلخيص
فإذن ، تحديد حريم النّزاع بين معلّم الحكمة اليمانيّة وبين رؤساء الفلسفة اليونانيّة : أنّ التّقدّم السّرمديّ عندهم حدّ نوعى ما يطلق عليه التقدّم الزّمانىّ فى مباحث السّبق وإن باينه بحسب إطلاقاتهم فى سائر أبواب العلم وأجزاء الصّناعة وأنّهم يظنّون أنّ جملة المبدعات كمبدعها الحقّ ـ سبحانه ـ فى التّقدّم السّرمديّ معا ، وقاطبة الكائنات الزّمانيّة والزّمانيّات الكونيّة سواسية الأقدام فى التّأخّر الدّهرىّ معا.
ومن حمل عرش تعليم الحكمة اليمانيّة يقدّس التّقدّم السّرمديّ عن أن يعتريه الاندراج فى التّقدّم الزّمانىّ ولو بحسب التّسمية. فهل يستعذب ذو ذوق سليم أن يستعار اسم النّوع الخسيس للنّوع الشّريف البهىّ أو لطباع المعنى المشترك بينهما ؛ ثمّ إنّه يحقّق الحقّ ويوحّد المتقدّم بالدّهر والسّرمد ، ولا يشرك بإثبات السّرمديّة لربّه أحدا. فيشهد أنّ سلاسل عالم الجواز بقبائلها ، أى : بمفارقاتها وزمانيّاتها ومبدعاتها وكائناتها (١٨٠). وبالجملة ، بقضّها وقضيضها ، متأخّرة عن جاعلها فى الوجود معا ، تأخّرا بالدّهر.
وما مثلها بجملتها فى التّأخّر بالدّهر عن الجاعل المتقدّم تقدّما سرمديّا إلاّ مثل متّصل ما شخصىّ إذا تأخّر بهويّته الاتصاليّة. فكما أنّ أجزاءه المقداريّة المفروضة متشابهة ومشابهة للكلّ فى التّأخّر معا عمّن يتقدّم عليه فى وعاء الدّهر ؛ فكذلك عوالم الإمكان ، أى : بجملة ما فى حيّز الجواز بالأسر.
فسبق البارئ الأوّل ـ سبحانه ـ فى الوجود على كلّ جزء من أجزاء الزّمان وعلى كلّ من آحاد الحوادث هو عين سبقه على مجموع الزّمان الشّخصىّ المتصل من أزله إلى أبده وعلى سلسلة الحوادث بمجموعيّتها. وكذلك هو بعينه سبقه على الأنوار المفارقة العقليّة آحادا ومجموعا. فهذا القول الفصل المقشوّ عن قشر الزّور