والأجزاء مفروغ عن اعتبارها فى حقيقة المركّب حين ما يقصد أن يعتبر استناده إلى العلّة المفيضة ومعتبرة فيما هو المستند إليها.
وهذا ، كما علّمناك فى مباحث الجعل ، أنّ الجاعل يفيض وجود الماهيّة : بأن يبدع نفس الماهيّة ، فيلزمها بعين ذلك الإبداع أن تكون موجودة ، لا أنّه يبدع نفسها. ثمّ هى تقتضى أن تكون موجودة ، على أن تكون هى واسطة فى التّأثير. وكيف يعقل أن تكون ماهيّة مؤثّرة فى وجود نفسها.
فأمّا قول بعض من يحمل عرش التّحصيل والتّحقيق (١) : «إنّ المؤثّر التّامّ القريب فى كلّ مجموع آحاده بأسرها ممكنة لا يمكن أن تكون غير آحاده بأسرها ؛ والبعيد يكون مؤثّرا فى الآحاد بأسرها وبتوسّطها فى المجموع».
وأمّا المجموع الّذي بعض آحاده الواجب ، فالمؤثّر التّامّ القريب فيه ليس إلاّ آحاده بأسرها ، ولا يتصوّر مؤثّر بعيد فيه إلاّ بتوسّط بعض الأجزاء ، فلو كان للمجموع مؤثّر تامّ غير الآحاد لكان ذلك المؤثّر غير قريب ، بل كان مؤثّرا فى الآحاد بأسرها قبل تأثيره فى المجموع ؛ فإن صادف الحقّ من جهة التّفطّن للفرق بين الآحاد بالأسر وبين المجموع الّذي هو معروض المعيّة اللاّحقة ؛ فإنّ الآحاد بالأسر غير الكلّ الأفرادىّ بالذّات وغير المجموع المعروض لاعتبار التّألف بالاعتبار. والحكم بأنّ المؤثّر التّامّ فى كلّ مجموع يجب أن يكون مؤثّرا فى آحاده بأسرها ؛ فإنّ المؤثّر التّامّ فى البعض ليس مؤثّرا تامّا فى المجموع ، لكنّه يصادم الصّدق من جهة الغفول عن نحوى العلّة فى علّة تقوّم الماهيّة وعلّة تقريرها.
فكون الشّيء ما يتألّف منه تقوّم الماهيّة وراء كون الشّيء ما يفعل تقرّر الماهيّة المتألّفة ويفيض نفسها ، والآحاد بالأسر علّة تامّة لتمام تقوّم المجموع ، لا أنّها الجاعل لتقرّره ، والمؤثّر التّامّ فيه ، بل المؤثّر التّامّ فيه هو المؤثّر التّامّ فيها على ما حققناه.
__________________
(١). هو خاتم الحكماء نصير الملة والدين الطوسىّ ، نوّر اللّه. منه مدّ ظلّه.