١١٤ ـ قوله عزوجل : (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ)(١).
«النّجوى» : سرّ بين اثنين ؛ ومنه قوله : (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ)(٢).
قال مجاهد : هذه الآية عامّة بين النّاس ، يريد أنّه لا خير فيما يتناجى فيه النّاس ، ويخوضون فيه من الحديث إلّا ما كان من أعمال الخير ، وهو قوله :
(إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ) قال أبو عبيدة : إلّا فى نجوى من أمر بصدقة ، ثمّ حذف المضاف.
(أَوْ مَعْرُوفٍ) قال ابن عبّاس : بصلة رحم ، أو بطاعة الله.
ويقال : لأعمال البرّ كلّها معروف ؛ لأنّ العقول تعرفها.
وقوله : (أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ).
هذا مما حثّ عليه رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقال لأبى أيّوب الأنصارىّ : «ألا أدلّك على صدقة هى خير لك من حمر النّعم؟» قال : نعم يا رسول الله. قال : «تصلح بين النّاس إذا تفاسدوا ، وتقرّب بينهم إذا تباعدوا» (٣).
وروت أمّ حبيبة : أنّ النّبىّ ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قال : «كلام ابن آدم كلّه عليه لا له إلّا ما كان من أمر بمعروف ، أو نهى عن منكر ، أو ذكر الله» (٤).
وروى أنّ رجلا (٥) قال لسفيان : ما أشدّ هذا الحديث ، فقال سفيان : ألم تسمع قول الله : (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ) فهذا هو بعينه.
ثم أعلم الله أنّ ذلك إنّما ينفع من ابتغى به ما عند الله فقال :
(وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) : ثوابا
__________________
(١) قال الواحدى فى (الوجيز له ١ : ١٧٣) : فلما بان أن السارق طعمة تناجى قومه فى شأنه ؛ فأنزل الله : لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ.
(٢) سورة المجادلة : ٧.
(٣) أخرجه البيهقى ـ عن أبى أيوب ، بنحوه ، كما فى (الدر المنثور ٢ : ٦٨٤ ، ٦٨٥) وأخرجه الحافظ أبو بكر البزار ـ عن أنس ـ بمثله. انظر (تفسير ابن كثير ٢ : ٢٦٥).
(٤) أخرجه الترمذى ـ عن أم حبيبة ، بلفظ يختلف قليلا ـ فى (صحيحه ـ أبواب الزهد ٩ : ٢٥٠) وابن ماجه أيضا بمثله ، فى (سننه ـ كتاب الفتن ـ باب كف اللسان فى الفتنة ٢ : ١٣١٥ ، حديث / ١٣٩٧٤) وذكره السيوطى مطولا عن أم حبيبة فى (الدر المنثور ٢ : ٦٧٩ ـ ٦٨٠).
(٥) هو محمد بن يزيد. انظر (الدر المنثور ٢ : ٦٨٠).