هذا متّصل بقوله : (وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ لِكَيْلا تَحْزَنُوا) ؛ لأنّ فى عفو الله ما يذهب كلّ غمّ وحزن ، وما فاتهم : هو الغنيمة (١).
([وَلا ما أَصابَكُمْ]) يعنى الهزيمة والجراح.
قوله : (وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) تذكير للتّحذير.
١٥٤ ـ قوله : (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً)
قال المفسّرون : إنّ المشركين لمّا انصرفوا يوم أحد كانوا يتوعّدون المسلمين بالرّجوع ، ولم يأمن المسلمون كرّتهم (٢) ؛ وكانوا تحت الجحف متأهّبين للقتال ؛ فأنزل الله تعالى عليهم ـ دون المنافقين ـ أمنة ، فأخذهم النّعاس.
قال ابن عبّاس : آمنهم يومئذ بنعاس يغشاهم بعد خوف ، وإنّما ينعس (من يأمن) (٣) ، والخائف / لا ينام.
وقال أبو طلحة : رفعت رأسى يوم أحد ، فجعلت لا أرى أحدا من القوم إلّا وهو يميد تحت حجفته (٤) من النّعاس. قال : وكنت ممّن ألقى عليه النّعاس يومئذ ، وكان السّيف يسقط من يدى فآخذه ، ثم يسقط السّوط من يدى فآخذه (٥).
و «الأمنة» مصدر ، كالأمن. (٦) يقال : أمن فلان يأمن أمنا وأمنة وأمانا.
و «النّعاس» بدل من الأمنة.
قوله : (يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ)
قرئ : بالياء وبالتّاء (٧) ، فمن قرأ بالياء ؛ فلأنّ النّعاس هو الغاشى.
__________________
(١) ب : «من الغنيمة».
(٢) ب : «من كرتهم» ، ج : «كيدهم».
(٣) ج : «من أمن» والمثبت عن أ ، ب ، و (الدر المنثور ٢ : ٣٥٢) و (تفسير القرطبى ٤ : ٢٤٢).
(٤) الحجفة : قال ابن سيده : هى من جلود الإبل يطارق بعضها ببعض : (اللسان ـ مادة : حجف).
(٥) هذا الأثر أخرجه البخارى ـ بلفظ قريب منه ـ فى (صحيحه ـ كتاب تفسير القرآن ، من سورة آل عمران ، باب أَمَنَةً نُعاساً ٣ : ١١٤) ، وأخرجه الترمذى ـ عن أنس ، عن أبى طلحة ، بنحوه ـ فى (صحيحه ـ كتاب التفسير ـ سورة آل عمران ١١ : ١٣٥ ، ١٣٦) ، وقال الترمذى : هذا حديث حسن صحيح ، وانظر (تفسير ابن كثير ٢ : ١٢٥) و (تفسير القرطبى ٤ : ٢٤٢) و (الدر المنثور ٢ : ٣٥٣).
(٦) الأمنة : الأمن ، قال ابن قتيبة وغيره ، وفرق آخرون فقالوا : الأمنة تكون مع بقاء أسباب الخوف ، والأمن يكون مع زوال أسبابه : (البحر المحيط ٣ : ٨٥) و (تفسير القرطبى ٤ : ٢٤١) ، وانظر (تفسير غريب القرآن لابن قتيبة ١١٤) و (معانى القرآن للزجاج ١ : ٤٩٣).
(٧) قرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر : (يَغْشى طائِفَةً) بالياء ، وقرأ حمزة والكسائى : تغشى بالتاء (السبعة فى القراءات ٢١٧) ، وانظر توجيه القراءتين فى (معانى القرآن للزجاج ١ : ٤٩٤) و (معانى القرآن للفراء ١ : ٢٤٠) و (البحر المحيط ٣ : ٨٦ ـ ٨٧) و (إتحاف الفضلاء ١٨٠).