حدّثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربىّ ، حدّثنا سفيان ، عن خالد بن سلمة ، عن أنس ابن مالك ، قال :
قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «مررت ليلة أسرى بى على أناس تقرض شفاههم بمقاريض من نار ، فقلت : من هؤلاء يا جبريل؟ فقال : هؤلاء خطباء من أهل الدّنيا ممّن كانوا يأمرون النّاس بالبرّ وينسون أنفسهم» (١).
ثم رجع إلى خطاب المسلمين فأمرهم أن يستعينوا على ما يطلبونه من رضاء الله تعالى ، ونيل جنّته بالصّبر والصّلاة / فقال :
٤٥ ـ (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ)(٢).
ومعنى «الصّبر» : حبس النّفس على شىء تكرهه. والمراد ب «الصّبر» ـ هاهنا ـ : الصّبر على أداء الفرائض ، واجتناب المحارم ، واحتمال الأذى ، وجهاد العدوّ على المصائب.
وقوله : (وَالصَّلاةِ) لأنّها تنهى عن الفحشاء والمنكر.
وقال مجاهد : «الصّبر» فى هذه الآية : الصّوم (٣). ويقال لشهر رمضان : شهر الصّبر.
وقوله تعالى : (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ)
قال الحسن والضّحاك : ثقيلة. وكلّ ما ثقل على الإنسان : كبر عليه ؛ كقوله تعالى : (كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ)(٤). والكناية فى (وَإِنَّها) تعود على (الصَّلاةِ)(٥) ، لأنّها الأغلب والأفضل والأهمّ ، كقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ
__________________
(١) روى عن أنس بن مالك ، باختلاف قليل فى اللفظ ؛ كما فى (مسند الإمام أحمد ٣ : ١٢٠) حاشية ج : تقرض : تقطع. مقاريض : جمع مقراض».
(٢) حاشية ج : «الواو بمعنى على ، أى : واستعينوا بالصبر على الصلاة».
(٣) كما فى (تفسير ابن كثير ١ : ١٢٣) وبدون عزو فى (تفسير الطبرى ٢ : ١١) و (الفخر الرازى ١ : ٣٤٥) وقال الرازى : «لأن الصائم صابر عن الطعام والشراب ، ومن حبس نفسه عن قضاء شهوة البطن والفرج زالت عنه كدورات الدنيا ، فإذا انضاف إليه الصلاة استنار القلب بأنوار معرفة الله تعالى».
(٤) سورة الشورى : ١٣.
(٥) (تفسير الطبرى ٢ : ١٥).